بين المشكلة والحل.. سـقوط "أسانسير بنها" يُصعًد أزمات "المستشفيات الجامعية"
عبدالله سرور: الإهمال عام وليس خاص
فجـر حادث سقوط مصعد في مستشفى الجراحة بجامعة بنها، الذي تسبب في وفاة 7 أشخاص وإصابة أخرين من أيام، أزمة المكسوت عنه في المستشفيات الجامعية. فقد كشف الحادث عورة الإهمال وضعف التمويل، وسوء الصيانة بل وانعدامها فضلا عن سوء أداء الأطقم الفنية وتهالك البنية التحيتة والأجهزة. وهو ما تطلب ضرورة إيجاد عاجلة لمشاكل مزمنة.
على طاولة اهتمامات المسئولين. كانت الإجراءات العقابية أول الغيث، كأحد أدوات مواجه المشكلات، لكن بالضرورة يتطلب الحل أن يتبع عقاب الإهمال إجراءات إصلاحية. خصوصا وأن المستشفيات الجامعية، مقارنة بمستشفيات وزارة الصحة، تشهد إقبالا كبيرا، ما يزيد من أعبائها، ويجعلها عرض لمرض "الإهمال تحت ضغط الاستعمال".
واللافت أن اجتماع الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بالدكتور السيد القاضى رئيس جامعة بنها، عقـب الحادث، لم يغفل البدء بالإجراءات العقابية وصولا إلى علاج سريع للأزمة، ابتداء بقبول استقالات بالجلمة لقيادت المستشفيات الجامعية، وفي مقدمتهم عميد كلية الطب. ثم إقرار صرف 100 ألف جـنيه لأسـرة كل متوفى، و50 ألف جنيه لكل مصاب من ميزانية جامعة بنها. مع التنبية بضرورة إعداد تقارير شهـرية عـن أعمال صيانة المنشآت الجامعية لتقييمها باستمـرار. "
لكن عن ماذا عـن خطـوات العـلاج في مواجهة مشاكل مزمنة.. "كشكول" رصـد بعض أراء المختصين لتقييم ما حـدث في مستشفى بنها الجامعي.. أسبابه، والمطلوب لعدم تكراره.
في البدابة.. قال الدكتور خالد عبدالباري، رئيس جامعة الزقازيق، والمسئول عن لجنة تطوير المستشفيات الجامعية بالمجلـس الأعلى للجامعات: إن ما حدث في المستشفى الجامعي بجامعة بنها، كان نتيجة تحديات تواجهها المنظومة ككل. مشددا على ضرورة التعاون مع مستشفيات وزارة الصحة، ودعم المستفشيات الجامعية، بعـدم ترك أكثر الأعـباء عليها وحدها، فما حدث بمستفى بنها الجامعي "عارض" يؤكد أن هناك تحديات لابد من مواجهتها وتفاديها الفترات المقبلة.
ولفت رئيس جامعة الزقازيق، إلى أن هناك ملفات يتم العمل على تطويرها داخل المجلس الأعلى للجامعات، منها ملف المستشفيات الجامعية، موضحا أن هناك اهتماما كبيرا بالتعاون مع وزارة الصحة لتوفير ما يلزم مـن كـوادر بشرية لها لتخفيف الضغط على المستشفيات الجامعية، وتقـديم الخـدمـة الجـيدة.
ويـرى الدكـتور وائل كامل، عضـو هـيئة التدريس بجامعـة حلـوان، أن المستشفيات الجامعية وما يحـدث بها ليس إهمالا مـن مسئولين بقـدر ماهـو ضيق ذات اليد المتعمـد لإيصالها لتلك الحالة للدفـع بوجوب خصخصتها وشراكتها مع القطاع الخـاص تنفـيذا لـرؤية "بيكر آند ماكنزي" التي قدمت عام ٢٠٠٨.
مضيفا أن المستشفيات الجامعية حائرة وتائهة في مـوازناتها بين وزارتي التعليم العالي والصحة فمخصصاتها مـن وزارة التعليم العالي ٦ مليارات منها أكثر من 75% من هـذا المبلغ للرواتب، ويتبقى أقل من 25% للصرف على الأجـهزة ومستلزمات التشغيل والأدوية. وكذلك التطوير أيضا، وهو بالطبع لايتم لأن المتبقى لا يكفى لمجرد المحاليل والشاش والقطن الذي قد لا يتوفر أيضا.
وقال كامل، إن المستشفيات الجامعية تتبع على جانب آخـر موازنة وزارة الصحة
بسبب تحملها العبء الأكبر في التأمين الصحي، وفي المخصصات الدستورية لوزارة الصحة
بدلا مـن رفع موازنة المستشفيات الجامعية بمفردها لتغطي التأمين الصحي لأكثر من ٢٠
مليون مواطن سنويا، مـع ضم موازنات مستشفيات الشرطة والجيش بجانب المستشفيات
الجامعية لموازنة وزارة الصحة والتي قدرت بـ ٤٣ مليارا يصرف منهم أكثر من ٣٠
مليارا على الرواتب . مؤكدا أنه بذلك، أصبحت المستشفيات الجامعية
حائرة وتائهة، وتعيش على وفورات الوزارات وتبرعات المواطنين والزكاة، مبينا أنه لو
تم تقسيم المبالغ المتبقية على عدد المرضى سنجد أرقاما "يندى لها
الجبين"، ولهذا لم نندهش مـن سماع خبر أن مريض في مستشفى جامعي، يطلب منه شـراء
سرنجة وقطن وشاش أو القيام بإجراء تحاليل وآشعة خارجها لعـدم توافرهــا بالمستشفى،
مع اختفاء دعامات القلـب الدوائية ومستلـزمـات العملـيات الجراحـية التي قد تضع
المريض على قائمـة الانتظار لمـدة سته أشهر وتزداد.
وقال الدكـتور عبدالله سـرور، وكـيل مؤسسي نقـابة علماء مصر، إن الإهمال عام وليس خاصا بالمستشفيات الجامعـية، موضحا أن تكـرار نشـر فضائح جامعـة بنها ليس خاصا بها دون غـيرها مـن الجامعات الحكومية.
وأكـد سرور، هذا الحادث يضع أمامنا حقيقتين، الأولى أن كل تصريحات عـن المستشفيات الجامعية بالإيجابية "كذب" لا حقيقة له على الرغم من أهمية دور هذه المستشفيات، مبينا أن الحقيقة الثانية، أن هذه المستشفيات جـزء مـن كل أى أنها جزء من الجامعات التى صارت فى حال يرثى لها.
واعتبر وكيل مؤسسي نقابة علماء مصر، أن كل التصريحات التي يطلقها المسئولون، "فنكوشية"، تطلق لأغراض خاصة. مؤكدا أنه مطلوب نظام جامعى جديد تماما بعيدا عن "الترقيع واللف والدوران" يصنعه المتخصصون للنجاة من الكوراث اليومية وحالات الإهمال بالمستشفيات الجامعية.
ويؤكد الدكتور خالد سمير، أستاذ الطب بجامعة عين شمس، أن المشكلة تكمن في سوء الصيانة والبنية التحتية بالمستشفيات، ونقص الأدوات والمستلزمات الدائمة، وأيضا نقص القوة البشرية وعدم التمويل الكافي لترميم الأجهزة المتهاكلة نتيجة عـدم التجديد.
ولفت سمير، إلى وجود ما يسمى بالكـود المصري للمنشآت الصحية، الذي أنشئ عام 2006، لينظم العمل بالمستشفيات، وعلى سبيل المثل الكود يؤكد وجود 4 اسرة في العنبر الواحد، في حين العنبر به أكثر من 12 سريرا، موضحا أن الفكـر مغلـوط لدى المجتمع بشأن المستشفيات الجامعية.
وطالب سمير، المسئولين في وزاتي التعليم العالي والصحة، بالاهتمام بالبنية التحتية للمستشفيات والصيانة، حتى لا تتكرر مأساة مستشفى بنها الجامعي، مشددا على ضـرورة التركيز عـلى مشاكل التمويل، مؤكدا أن مبدأ "الشاطرة تغـزل برجل حمار"، لا يجب التعامل به مـع صحة البشـر للحفاظ على أرواحهم.
وأشار أستاذ الطب، إلى أن قانون التأمين الصحي الجديد، سيكون له مفعول السحر في حل العديد من المشكلات الخاصة بالمستشفيات، كونه قائما عـلى إرادة مجتمعية وليس على الدولة والحكومة لتوفـير كل ما يلزم لتقديم الخدمة الجـيدة للمريض وما يلزم للطبيب حتى يستطيع متابعة المريض بعناية، وعدم البحث عن المصالح الخارجية.