الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أزهر

حكم نهائي بتنظيم موضوع الخطبة الموحدة ليوم الجمعة

كشكول

أثبتت شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، فى أغسطس 2021 نهائية الحكم بتأييد قرار وزير الأوقاف بتنظيم موضوع الخطبة الموحدة ليوم الجمعة للأئمة والدعاة والخطباء على مستوى المساجد والزوايا بجمهورية مصر العربية، وقد أصبح هذا الحكم نهائياً وباتاً.

 صدر الحكم برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة رئيس محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة.
 
وطالب المدعون وعددهم ثمانون مواطناً بإلغاء قرار وزير الأوقاف بتنظيم موضوع الخطبة الموحدة للخطباء بالمساجد الزوايا وطالبوا الأخذ برأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بترك الخطيب حراً على حد زعمهم وطالبوا أيضا بخضوع المساجد لمشيخة الأزهر دون وزارة الأوقاف .

كانت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة قضت بتأييد قرار وزير الأوقاف بتنظيم موضوع الخطبة الموحدة للخطباء والأئمة بالمساجد والزوايا على مستوى الجمهورية .

وأكدت المحكمة فى حكمها على مجموعة من المبادئ والقيم الدينية التى تحفظ للأوطان كيانها بأن الخطبة الموحدة ضرورة تحفظ لمصر والأمة العربية والإسلامية وجودها وتحميها من الفكر المتطرف المناهض لوجود الدولة , وأن مصر  تؤرخ لدور عالمى وليس إقليميا وتواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة التطرف والإرهاب حماية للإنسانية , مؤكدة أن منظومة ثنائية بين الأزهر الشريف وزارة الاوقاف لخدمة الإسلام الوسطى المستنير , وأن بعض الخطباء استخدموا المنابر لتحقيق أهداف سياسية وأخرى تحريضية لشق الصف متخذين من الدين ستارا , وأن المسجد ذكرا لله بالارشاد والوعظ لتقرب العبد إلى ربه وليس مصدراً للتحزب والاختلاف الفكري والمذهبى , ووضعت اطاراً للخطباء والأئمة فليس من حق الخطيب أن يوجه الناس لرغباته ويملي عليهم قناعاته الشخصية السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيوهمهم أنه الحق المبين فيؤدى إلى الاحتقان الشعبي فى البلدان الإسلامية والعربية , وأن الخطيب يتمتع بحرية فى طريقة اَداء الخطبة شفاهة ارتجالا أو مكتوبة مقروءة بما لا يخرج عن مضمون الخطبة الموحدة لإبراز ملكاته ومواهبه لجمهور المصلين , وأن الخطبة لا تكون طويلة مملة أو قصيرة مخلة ولا تزيد على عشرين دقيقة وتقصيرها علامة على فقه الخطيب ، فلا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله ، وهوهدي النبي في خطبه الراتبة .

قالت المحكمة إنه وفقا لوثيقة إعلان الدستور المصرى فإن مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية وفى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام ,وتجلى له النور الإلهى, وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين , وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها , ثم قدموا اَلاف الشهداء دفاعاً عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام .وحين بعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق فانفتحت القلوب والعقول لنور الإسلام فكانوا خير أجناد الارض جهاداً فى سبيل الله لنشر رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين وأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع , وتلك الوثيقة تأخذ حكم طبيعة النصوص الدستورية ذاتها وقوتها , بحسبانها تكون مع الأحكام التى تنتظمها كلاً غير منقسم bloc de constitutionnalité   أو نسيجاً دستورياً واحداً .

وأضافت المحكمة أن الدستور نص على ان الإسلام  دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وجعل من الأزهر الشريف هيئة اسلامية علمية مستقلة , يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه , وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية , ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر و العالم , كما عهد المشرع العادى  إلى وزارة الأوقاف التى تمثل الجانب المادى الملموس فى الحقل الدينى الإسلامى لمرفق المساجد والزوايا التابعة لها  مهمة إدارتها والاشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها والتزام الخطباء بالخطة الدعوية لها وذلك ضماناً لقيام هذه المساجد برسالتها فى نشر الدعوة الإسلامية على  خير وجه , احتراما لقدسية المنبر , وتطهيراً لافكار الدعاة , وصوناً لجوهر الدعوة .وبهذه المثابة فثمة منظومة ثنائية بين الأزهر الشريف باعتباره هيئة إسلامية علمية مستقلة تعد المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية ووزارة الأوقاف السلطة الفعلية القائمة على إدارة المساجد والزوايا وفق خطتها الدعوية واحتياجاتها وتوزيعها للخطباء على المساجد ,  فكلاهما فى مجاله المرسوم له دستورياً وقانونياً فى خدمة الإسلام الوسطى المستنير .

وأشارت المحكمة الى أنه من أفضل منن الله على المسلمين أن جعل لهم  مواسم للخيرات ، يتلقون فيها  أعلى الدرجات ويكفر عنهم السيئات ، ومنها  يوم الجمعة إدراكا لفضلها واغتناماً لأجرها وخطبة الجمعة  موعظة أسبوعية عامة توقظ القلوب المتغافلة  وتشحذ الهمم المتخاذلة  وتصل النفوس الطاهرة بخالقها جل علاه ، لتعبد ربها بذكره عن  علم وبصيرة ، ويساعد على ذلك ما يقدمه الأئمة وخطباء المساجد كل جمعة من جرعات إيمانية مستقاه من الدين الحنيف , مما يقتضى وضع منهج لمواجهة المشكلات التى تواجه المجتمع الإسلامى والأزمات التى يتخذها المتشددون الذين يتسترون من وراء الدين لتحقيق أهداف سياسية ولضبط النشاط الدعوى المستنير ولتلافى حصول بعض النواقص والأخطاء من بعض الخطباء ، نتيجة عدم الإلمام ببعض الأحكام الفقهية للخطبة كان لزاماً توحيدها فى موضوع محدد كل أسبوع لتصحيح مسارالدعوة مما كشفت الأحداث التى تلحق بالعالم من الفكر المنحرف عن صحيح الدين واستغلال المساجد من الجماعات المتشددة . 

وأوضحت المحكمة أن التحديات المعاصرة كشفت عن أن التشدد والتطرف والإرهاب كان نتيجة الانحراف عن مفاهيم الدين الصحيح  والخلل الذى أصاب مسار الفكرالدينى مما يتعين معه على الدول الإسلامية والعربية ومصر فى قلبها النابض محاربة الفكر المتطرف لدعاة التشدد والغلو الذين يستخدمون الشباب وقوداً لفكرهم المنحرف , مما يستلزم تصحيح المسار وتطوير الخطاب الدعوى عن طريق إعداد الدعاة وصقل تكوينهم وتوسيع مداركهم لبيان حقائق الإسلام السمحة ودحض الأباطيل والحث على مكارم الأخلاق وماجاء به  الإسلام من حفظ الضرورات الخمس : الدين والنفس والعقل والعرض والمال  ليعيش المسلم في هذه الدنيا آمنا مطمئناً يعمل لدنياه وآخرته فنظام الدين لا يقوم إلا بنظام الدنيا وإن لم تراع الضرورات الخمس فسوف ينعدم الأمن فى المجتمع ويصاب النظام الاجتماعى بالخلل والانهيار الامر الذى يستلزم مواكبة روح العصر من تقنيات وسائل الاتصال لتصل إلى عقل وقلب المتلقى وتوظيفها فى خدمة الدعوة بالوسائل  الصحيحة ومناهجها للتذكير بالخير وما يرقرق القلب بتلطف دون مخاشنة أو تعنيف .

وذكرت المحكمة أن الواقع المصرى كشف عقب ثورتى الشعب فى 25 يناير 2011 و 30 يونيه 2013 أن بعض خطباء الجمعة استخدموا المنابر لتحقيق أهداف سياسية متخذين من الدين ستارا لهم بعيدا عن واقع المجتمع وحولوا موضوع خطبة الجمعة إلى تحقيق أغراض حزبية وسياسية وأخرى تحريضية وشق الصف عبر المنابر، بما يخدع البسطاء على الرغم من قدسية المسجد وأن الجمعة  شرعت لتكون جرعات إيمانية أسبوعية تعالج قضايا وهموم المجتمع وتعطي للمسلم طوق النجاة من الوقوع في المعاصي والآثام فأصبح توحيد موضوع الخطبة ضرورة لمواجهة المخاطر التى تواجه مصر والأمة الإسلامية والعربية , كما يرسخ قيم المواطنة , فالمسجد ذكرا لله بالوعظ والإرشاد ولتقريب العبد إلى ربه وليس مصدراً للتحزب والاختلاف الفكري والمذهبى , وليس من حق الخطيب وهو المؤتمن أن يوجه الناس على ما يشتهي أو يرغب ، ويملي عليهم قناعاته الشخصية فى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فتشتد الخطورة من فوق منابر الجمعة  بما يوهم عامة الناس أن هذا هو الحق المبين مما يؤدى الى الاحتقان الشعبي فى البلدان الاسلامية والعربية , لذا فإن توحيد موضوع الخطبة يؤدى إلى توحيد المجتمع المصرى والعربى والإسلامى تجاه الأزمات التى تهدد استقراره تحقيقاً للمصالح المعتبرة لمواجهة الفكر الإرهابى المنحرف عن صحيح الدين .

واستطردت المحكمة أن الأزمة المصيرية لشعوب العالم الإسلامى والعربى على قمتها دعاة التشدد بإسم الدين وقتلة الإنسانية والجماعات المتطرفة التى تستبيح الدماء والأموال لتفسد فى الأرض , وأن هاجس عدوى الإرهاب والتشدد لم يعد قاصرا على العالم العربى والإسلامى بل انتقل إلى العالم الغربى حتى المتقدم منها , ذلك أن الارهاب لا دين له ولا وطن , مما يكون معه للنشاط الدعوى المصرى مع مثيلاته بالبلاد العربية والإسلامية أبلغ الأثر إزاء المواجهة الفكرية لما يحدث من إرهاب نتيجة استقطاب الجهلاء بأحكام الدين , وإذ كانت مصر قد استوت على قمة العالمين العربى والإسلامى , ليس فقط بكثافة سكانها وموقعها المتميز ,وإنما بحضارة تليدة وموروث ثقافى جعل منها فى ثورات العرب وحروبهم وبانتصاراتهم الدولة القائدة , وفى ميدان السلام والتعاون الدولة الرائدة , فإن تعبير شعبها المعطاء – وقضاؤها جزء من هذا الشعب - عن مكنونه فى مسألة مصيرية تتعلق بالمخاطر والإرهاب الذى يحاك للأمة العربية والإسلامية بات أمرا لازماً ليتشارك مع الموقف الرسمى للدولة  فى نبذ كل عدوان أو تهديد به , ينال مصر أو أحد الشعوب العربية والإسلامية , ومصر بذلك تؤرخ لدور عالمى وليس اقليميا لانها تواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة الارهاب والتطرف لحماية الانسانية جمعاء.
 
وأضافت أن طريقة أداء الخطبة شفاهة وارتجالا أو مكتوبة مقروءة أمراً اختيارياً للخطيب فى ضوء ما يمكنه من أداء رسالته وبما لا يخرج عن مضمون موضوع الخطبة المحدد , فيترك لكل خطيب قدر من إبراز ملكاته ومواهبه فى ايصال موضوع الخطبة الموحدة لجمهور المصلين بالأداء الذى يمكنه من الوصول على عقولهم وقلوبهم فطريقة أدائها ليست الزامية على وجه معين , فمن شاء ألقاها شفاهة وارتجالا ومن شاء ألقاها مكتوبة مقروءة وفى الحالتين يلتزم بموضوع الخطبة الموحدة , ذلك أن الارتجال الواعي لا يستطيعه كل خطيب ويظل لبعض أصحاب الموهبة من الخطباء القدرة على الإدراك والتجديد والإبداع فى ذات موضوع الخطبة بما لا يحيد عنها , ومن ثم تحقق الخطبة الموحدة مصلحة معتبرة .

وأشارت المحكمة أن زمن إلقاء موضوع الخطبة  بما بين خمس عشرة إلى عشرين دقيقة أمرا لازماً  , ذلك أن تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب ، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة ، ولا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله ، وقد هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه الراتبة ، بل هو أمرُه ، وهو أكمل هدي ، كما كانت مواعظه قليلة ؛ ليُحفظ عنه يا يعظ به الناس ، فخطبة الجمعة قصيرة ، والمواعظ قليلة .وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله في موعظة أشد غضباً منه يومئذ؛ ثم قال: "إن منكم منفرين، فأيكم صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة"وفي تقصير الخطبة فائدتين : الأولى ألا يحصل الملل للمستمعين ؛ لأن الخطبة إذا طالت لا تبعث الهمم فالناس يملُّون  ويتعبون .ومنهم الكبير والمريض , والثانية أن ذلك أوعى للسامع ، فإن طالت أضاع آخرها أولها .

وانتهت المحكمة أن فى الإطالة أو الإطناب فى وقت الخطبة يفقد التركيز عند المصلين وينفرهم من طول زمنها , فجاء فى حديث جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال:«كنت أُصَلِّي مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» وفي رواية:«كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يوم الْجُمُعَةِ إنما هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ». رواه مسلم 866 وعامة الفقهاء على استحباب ما جاءت به الأحاديث من إقصار الخطبة وعدم إطالتها " انظر: بدائع الصنائع: 263/1،  شرح الخرشي على مختصر خليل: 82/2 والأوسط لابن المنذر: 60/4، والكافي لابن قدامة: 222/1، والمغني: 78/2.  قال القرافي رحمه الله تعالى:«واتفق الجميع على استحسان قصر الخطبة» انظرالذخيرة 345/2  وساق الشوكاني جملة من الأحاديث في ذلك ثم قال:«وأحاديث الباب فيها مشروعية إقصار الخطبة ولا خلاف في ذلك " نيل الأوطار 345/2  وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:«وأما قصر الخطبة فسنة مسنونة كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يأمر بذلك ويفعله» انظر الاستذكار 363/2 وقال أيضاً:«وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضاً لطوله، ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبره بعد حفظه له وذلك لا يكون إلا مع القلة» انظر الاستذكار 364/2  .