السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

20 مليون تلميذ و2 مليون معلم و5 أنماط للتعليم وميزانية لا تكفي

كمال مغيث: التعليم الفني بمصـر تخصصات قديمة ومناهج عقيمة

كمال مغيث
كمال مغيث

"كلام الوزير معسول ليس له أسس أو رؤية واضحة".. "جميعها قرارات عشوائية وغير مدروسة".. "كارثة بكل المقاييس".. هكذا قرر الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، في حواره معنا أن تكون تعليقاته على محاولات وقرارات وزير التعليم الدكتور طارق شوقي، لتطوير العملية التعليمية.. إذ لم يتفق "مغيث" مـع منهـج وأسلوب الوزير كلما استطاع إلى ذلك إجابة، سواء كان السؤال متعلقا بالتعليم العام أو الفني. أو حتى بمحاولة الاستفادة من تجارب خارجية مثل تجربة المدارس اليابانية.

واعتبر مغيث، أن الصحيح الذي كان على الوزير أن يفعله؛ لم يفعله. دون أن يفوته التأكيد على أن ميزانية التعليم في مصر ليست وفق ما حدده الدستور، كونها لم تصل إلى النسبة التي نص عليها وحددها بـ4 % من إجمالي الناتج المحلي. لكنه في نهاية الحوار وجه نصيحة للوزير تعكس ألم قطاع كبير من أولياء الأمور.. وإلى نص الحوار..

مـن وجـهة نظـرك كـيف نُصلح من حـال التعليم في مصر؟

لابد مـن تغيير نسق التعليم الحالي، إلى نسـق حديث يؤكد على نسبية المعرفة، وينتج تلميذا ناقدا يفكر ويعرف معنى البحث وراء المعلـومة.. نسق تعليمي مفتوح، يجـعل الطالب يثق فى نفسه وقدراته، يسأل ويستفسر ولا يحـفظ ليجاوب، لأن النسق التعليمي الحالي مـنذ الستينات، وعفى عليه الزمن. كما أن نظـريات المعرفة أصـبحت لا قيمه لها فى ظـل حالة السيولة التي حدثت فى مجـال العلوم والمعرفة، فالتعليم الحالي قائم على احفظ و تذكر واسمع، وتطويره يعني استبداله بلاحـظ وفكـر ومثال على ذلك، عند تدريس الثورة العرابية بدلا ما إتاحة أسبابها ونتائجها للطالب نمنحه مساحة ليبحث ويفكـر بنفسه.

لكن منذ فترة طويلة ومثل هذه النصائح تقدم.. ألا يوجد منها ما تم إقراره  أو ما يجعل لدينا تجربة مصرية في التعليم؟

 حتى يكون لدينا نسق تعليم مصري، لابد أن نوحـد المرحـلة الأولى، فلا يوجـد دولة في العالم بها أكثر من نوع تعليمي مثل مصر، فنحن لدينا أنماط مختلفة منها "الأزهري والخاص والحكومي، والدولي والتجريبي". ولكي نضمن تنشئة صحيحة للمواطنين المصريين، يجب عـدم الفصل بين المسلـم والمسيـحي بوجـود مـدارس مسـيحية ومـدارس أزهـرية. مع إصلاح الخطاب الديني فى مناهج التعليم، وخاصة مناهج اللغة العـربية المليئة بالآيات القرآنية. فلماذا اجبر الطالب المسيحي على حفظها. المدرسة مكان للتعليم، وليس للتعليم الديني. ولذلك المدارس في مصر يكون بها متطرفين، فالمدرسة للعلم وليس لتخريج وعاظ. كما أن عـلاقة الأنشطة بالمناهـج تحـتاج لـرؤية، مـع ضـرورة وجـود إدارة فعالة.

لكن بعض الخبراء يرون أن المحاولات مستمرة لتطوير التعليم في مصر إلا ترى نتيجة لهذه المحاولات؟

بالقطع لا.. والـوزراء أنفسهم يعـترفون أن التعلـيم غـير جـيد ويقولون إن الأمية تضرب التعليم والدليل على ذلك فى التقارير الدولية لحال التعليم في مـصر، وهي دليل على تخـريب التعليم، وتدخلنا فى بؤس شـديد.

وما أسباب ذلك في تقديرك؟

والأسباب التي أدت إلى تدهـور التعليم هي الميزانية المقـررة، فالدستور المصري يقـرر ميزانية التعليم بـ4% مـن إجمالي الناتج المحـلي، وتبلـغ قيمتها ما يقرب من 130مليار جـنيه، لكن جـاءت مـيزانية هـذا العـام الدراسي نـحو80  مليار جـنيه، والفارق مستقطع مـن حـقـوق الطلاب والمدارس والمعلمين، والعـام الماضي كـانت 76 مليارا بعـد التضخم فى الأسـعار وتعـويم الجنيه.

وكان لابد أن يتصل الـ76 مليار يصل لـ98 مليار جنيه، وهـذا دلـيل أنه أقـل مـن العام الماضي بكثير، ولأن الميزانية أساس نجاح أي تطوير فلابد من أن يأخـذ التعليم حقه من ميزانية الدولة أولا. ووعود الوزير انتهت جميعها للفشل. فعـندما وعـد مـنذ 3 شهـور بمدارس مختلفة ومعلم مختلف ومناهج مختلفة، وطالب متطور لم يظهر من ذلك شىء في الواقع، وحاول أن يخفي ذلك فى حلمه بتجربة المدارس اليابانية والتي انتهت بالفشل الذريع، وكذلك مدارس المتفوقين ومدارس النيل. لذلك لابد أن يركز الوزير فى تطوير المدارس الحكومية لأنه وزير حكـومة، وليس صاحـب مـدارس خاصة.

بالنسبة لتطـوير المناهج كان هناك لجنة فى عـهـد وزير التعليم السابق الهلالي الشربيني لتطوير منهجي العلوم والرياضة.. ألا ترى أنها أثمرت جهودها؟

 لم تتم أي تعـديلات فى تطـوير "العلوم والرياضيات"، الـوزير السابق آنذاك، وعـد بتطوير المناهج خلال 3 شهـور، لكن لم يتم تغيير أي شىء حتى الأن.

وما رأيك في نظام الثانوية العامة الجديد الذي طرحه وزير التعليم؟

لم يحـدد الوزير أسس كاملة للنظام الذي يريد تطبيقه، وأري أن هـذا النظام سيفشل؛ لأنه إذا أراد الوزير أن يغـير نظاما تعليميا فلابد أن يبدأ من الأساس، عن طريق تغيير المناهج وأسس التدريس، وطرق قبول الطلاب، لابد من تغيير طـريقة تأسيس الطالب، لأن النظام التعليمي الحالي عمـره 200 سنه. ونحن لدينا 2مليون معلم و20 مليون تلميذ، وأي تغيير لابد أن يبــدأ مـن الأساس، ولو فكـر الوزير فى تغـير نظام التعليم على الأقل لسنه 2020، فلابد أن يبدأ من الأن فى تطوير المعلم ليكون الحاسب الآلي جزء من تكوينه، لابد من رجوع العلاقة جيدة بين المعلم والطالب، لأن المعلم ليس مصدرا لمعرفه فقط؛ لابد أن يكون نموذجا للقدوة والانتماء الوطني والمعـرفة والقيم، مدرس مع مناهج تواكب تطور العصر، ومدرسة تلبي احتياج الطالب والمعلم فى توفير المعرفة والبحث والتفكير، سواء أجهزة الحاسب أو المكتبات، لابد من حل مشكلة الكثافة في الفصول لاستيعاب شرح المدرس، ولهذا كلام الوزير معسول ليس له أسس ورؤية واضحة للتغيير.

ولكن حـدث إعلان عـن  تطـوير المناهـج وفقا للنظام الحديث الذي يريد تطبيقه الوزير؟

لا يوجد إرادة لأي تطوير، ولا يجري أي تطوير بالمناهج. وقد كان توقعي فور تولي الدكتور طارق شوقي وزيرا للتعليم، وإعلانه عن تطوير التعليم، أنه سييشكيل لجانا لبحث كل شىء يخص العملية التعليمية، ورصد المشاكل في أرض الواقع، لحلها من جذورها قبل بدء التطوير، فالمناهج مثلا تحتاج تغييرا شاملا وليس تطويرا فقط.

هل يمكن أن تنجح تجـربة اعتماد امتحانات الثانوية العامة على استخدام الطلاب للتابلت في الدراسة؟

اعتماد امتحانات الثانوية العامة على التابلت أسلوب غير ناجح، وسيفشل فشلا ذريعا، لأن الامتحانات لابد أن يتوافر بها العدالة وتكافؤ الفرص، والاتصال بالإنترنت غير مضمون لكي يعتمد عليه شريحة طلاب الثانوية العامة، إضافة إلى احتياج الطلاب للتدريب على استخدام التابلت، لأن ليس كل الطلاب يملكون أجهزة التكنولوجيا، ولو كانوا جاديين فى التطبيق، لوفروا الأدوات والأجهزة والنظام.

وما رأيك في استبعاد مواد الحاسب والتربية الفنية من المجموع، وكذلك إلغاء الامتحانات الشهرية؟

 جميعها قرارات عشوائية وغير مدروسة. كان أولي من إلغاء الامتحانات الشهرية، وضع آلية محددة لضمان عدم أمية الطلاب. والتأكد من تحسن مستوى القراءة والكتابة فى ظل تدهور نظام التعليم بمصر. قرارات الوزير لا تعني أن امتحانات الشهور مقياس تحديد مستوى الطلاب، لكن لابد من أليات لمتابعة مستوى الطلاب في الفصول.

وكيف تقيم دور أولياء الأمور فى العملية التعليمية؟

 التعليم في البداية كان يعد إرادة دولة وجزء من مظاهر سيادتها، فكان أولياء الأمور والطلاب يحترمون المعلم والمدرسة، لأنهم يحترموا الدولة؛ إما ألان فالدولة تخلت عن مهمتها، فأصبح كل من يريد تغيير شىء ليس على هواه يعترض.

ما رأيك فيما حدث بشروع المدارس اليابانية؟

الأزمة سببها عـدم وضوح الوزارة من البداية فى نشر تفاصيل الاتفاقية بين الجانبين المصري والياباني، وما حدث نموذج للتخبط والعشوائية، فقد كان لابد من توضيح الأمور لأولياء الأمـور منذ البداية. لكن الموضوع كان خديعة من الوزارة، وبالتالي تم رفض تدريس منهج ياباني لأننا دولة وطنية، ولن تدرس للطلاب مناهج يابانية دون المصرية فأصبح الموضوع قائم على أنشطة وإدارة ذاتية.

وماذا عن نظام التعليم الفني في مصر؟

التعليم الفني كارثة بكل المقاييس، وليس فيما يتعلق بالوزارة فقط، بل في الدولة كلها وكذلك المجتمع. فالدولة تعتبر التعليم الفني، تعليم الفقراء، الذين يهربون من مطحنة الدروس الخصوصية في الثانوية العامة، ويتجهون إليه للحصول على شهادة والخروج للعمل. لكن زيادة نسبة البطالة بين خريجي التعليم الفني أفقدته قيمته وميزته، فمن تخرجوا يعملون سائقين للتوكتكوك، وحراس أمن، وديليفري، إضافة إلى عـدم تشجـيع الدولة لخـريجي التعليم الفني بمزايا مثل الإعفاء مـن الضرائب. بل واتجاها إلى تقليل الإنفاق على التعليم الفني، قال لي مدرس فني فى قسم لحام المعادن إن ميزانيته 80 جنيها خلال العام الدراسي، وهذا يكفي 3 صوابع لحام على جميع الطلبة طوال العام، فماذا سيتعلمون بدون تكاليف!.

وماذا تقترح لتطوير التعليم الفني؟

بمعرفة مشكلاته أولا، فالتعليم الفني لم يواكب سوق العصر، التخصصات قديمة، والمناهج عقيمة بعيدة تماما عـن سوق العمل. وكان لي اقتراح بإيجاد اتفاقية بين المستثمرين والمصانع برعاية وزارة الاستثمار، بأن يقوم المصنع الذي ميزانيته كبيرة وليكن 10 مليون جنيه بإنشاء مدرسة، والوزارة تشرف على المنهج والمصنع يتولي الجوانب الفنية. وبالتالي لا تتحمل الوزارة تكلفة المواد الخام، والطلاب يستفيدون بالتعلم على الآلات الحديثة، ويوفر المصنع للطلاب رواتب شهرية مقابل الاستفادة منهم، ومن يستحق منهم التعيين يحصل عليه، واقترحت أيضا أن يتم التنسيق بين المدارس الفنية والأحياء المحيطة بها لتقوم المدرسة، بخدمة الحي واستيفاء جميع احتياجاته عن طريق عمل إعلان للمدرسة بها أرقام المدرسة، توزع بالحي، ومن يحتاج الخدمة يقوم بالاتصال بالمدرسة، لإرسال الطلاب المتخصصين، وستكون الاستفادة للطلاب تدريبا لهم، وأمان وثقة للناس لأنه بديهي معـروف مـن هم الطلاب وأين مدرستهم.

في النهاية بما تنصح الدكتور طارق شوقي وزير التعليم؟

 أنصحه أن يكون وزيرا لتعليم الشعب، وليس للمدارس الخاصة.