حكم قضائي.. غلق «طب أسنان دمنهور» نهائيا بسبب «أسنان الجاموسة»
حصل طلاب كلية طب الأسنان جامعة دمنهور، ومحاميهم علاء غالب، على شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا 2021 بعدم حصول طعن على الحكم التاريخي الصادر لصالح دفعتين كاملتين بالفرقتين الأولى والثانية بكلية طب الأسنان بجامعة دمنهور، من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة.
وصدر الحكم
برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بإلزام المجلس
الأعلى للجامعات بتوزيع طلاب الفرقتين الأولى والثانية عام 2015، وعددهم 320 طالباً
من كلية طب الأسنان بجامعة دمنهورعلى كليات طب الأسنان المناظرة لها بالجامعات المصرية
بإعتبار أن دراسة طب الأسنان بدمنهور، دون توفير المعامل والأجهزة والمعدات اللازمة
لتلك الدراسة ضرورة قصوى وضرراً فاحشا بمستقبل الطلاب يجب إزالته، على أن يكون ذلك
التوزيع، طبقاً لقواعد التوزيع الجغرافى بحسبانه معياراً موضوعيا عادلا يحول دون شطط
جهة الإدارة فى توزيع هؤلاء الطلاب على الجامعات المختلفة، وذلك بتوزيع كل طالب على
أقرب جامعة لمحل إقامة كل منهم وهى جامعات "الإسكندرية وطنطا وكفرالشيخ والمنصورة",
تطبيقاً للقاعدة الأصولية التى تقضى بأن "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"
مع عدم المساس بالمراكز القانونية التى اكتسبها هؤلاء الطلاب فى اجتيازهم الامتحانات
السابقة على صدور الحكم, و إلزام الجامعات الأربع المذكورة بمنح هؤلاء الطلاب برامج
دراسية مكثفة نظرية وعملية تعوضهم عما فاتهم من مناهج دراسية، وقد تخرج هؤلاء الطلاب
كأطباء من الجامعات التي تم توزيعهم عليها تنفيذا للحكم عامى 2018 /2019 و
2019/2020 , وقد أصبح هذا الحكم نهائياً وباتاً.
وقال
الطلاب في المحكمة، "لا يوجد معامل بالكلية ولا تجهيزات وبيدربونا على أسنان الجاموسة"،
فما كان من القاضى إلا أن أغلق الكلية وأمر بتحويلهم لـ 4 جامعات طبقاً للمعيار الجغرافي.
القصة الكاملة لطلاب الطب مع أسنان الجاموسة
وترجع قصة
طلاب الفرقتين الأولى والثانية بكلية طب الأسنان بجامعة دمنهور أنهم عام 2015 وقفوا
جميعا بأسرهم أمام القاضى المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة
واكتظت بهم المحكمة عن أخرها وخارجها فأعطى لهم الفرصة وشرحوا قضيتهم فقالوا
"أنه تم افتتاح كلية طب الأسنان عام 2015 جامعة دمنهور وتم قبول دفعتين فقط وجاءت
الفاجعة أن الكلية وهى من الكليات العملية خالية من الأدوات اللازمة للدراسة بالكلية
" فسألهم القاضى أمام الحاضر عن الجامعة: هل الكلية بدأت الدراسة بدون توفير أى
معامل حتى الاَن؟ قال الطلاب سيدى القاضى " الوضع كارثى والكلية استقبلتنا كدفعتين
دون أن تكون مجهزة بالمعامل مثل باقى كليات طب الأسنان بالجامعات المصرية الأخرى
"ثم سألهم القاضى الحصيف بفطنته : ألا يوجد أى تدريب لكم فى دراستكم العملية ؟
أجاب الطلاب بشئ جلل وقالوا " أنهم كانوا يدربوننا بكلية الطب البيطرى على أسنان
الجاموسة ! " ومن هول المفاجأة أعاد القاضى ذات السؤال ، فأجاب 320 طالب فى صوت
واحد بصحة التدريب على أسنان الجاموسة ! فسألهم القاضى هل لكم طلبات أخرى ؟ فقال الطلاب
:" أن بقاءنا بتلك الكلية ضار بمستقبلنا وبالصحة العامة للمواطنين لعدم تدريبنا
على مختبرات أسنان الإنسان ونطلب العدل.
فتقدمت سيدة
والدة إحدى الطالبات وهى تبكى وتحتضن ابنتها المنهارة وقالت: "سيدى القاضى أننا
نحن أولياء الأمور نموت نفسياً منذ بداية العام بسبب عدم وجود معامل بطب أسنان دمنهور
وتدريب أبنائنا وبناتنا على أسنان الجاموسة ونطلب إنقاذ مستقبلهم من الضياع فى أسرع
وقت".
فقال القاضى
الإنسان لهم جميعاً فى جملة بليغة "أعلم أن العام الجامعى أيام وينقضى ويستحيل
استعادتها، وأعلم أن الإنسان أيام إذا مرت الأيام انقضى بعضالإنسان , ثم نطق القاضى
بالحكم بغلق الكلية فوراً وتحويل الطلاب إلى الجامعات الأخرى طبقا للمعيار الجغرافى
وسط فرحة عارمة وبكاء هستيرى من طلاب الطب وأبائهم وأمهاتهم بإنقاذ مستقبلهم فى أغرب
القضايا وأدهشها كما يبدو فى فيديو سجلته عدسة الزمن للطلاب باكين مهللين فرحاً (الصحافة
فين القضاء أهو)".
تفاصيل القضية
قالت المحكمة
برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة أن العلم أضحى
وقود التقدم, وصار تلازماً لا ينفك بين التفوق
العلمى والنهضة الاقتصادية, فلا اقتصاد بدون جودة التعليم, فالتعليم هو الوسيلة لتحقيق
السيادة الوطنية وبناء اقتصاد المعرفة هو أساس التنمية المستدامة وأداة رئيسية لغرس
القيم وخلق المهارات والسلوكيات الحميدة فى
نفوس الشباب, ومن ثم فإن جودة التعليم لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً لتحقيق التقدم
الحقيقى, فقد أدركت الدولة المصرية أن التقدم الحقيقى والنهوض من عثرتها إنما يتوقف
على الاهتمام بجودة التعليم ورفع كفاءة المؤسسات التعليمية, وقد تجلت عبقرية العلماء
المصريين حينما تحرروا من قيود الإهمال, سعياً لجودة التعليم بكثير من الإنجازات فى
المحافل الدولية.
وأضافت المحكمة
أن المعامل والمختبرات تمثل عنصراً هاماً وأساسياً فى نجاح العملية التعليمية فى كليات
الطب قاطبة خاصة طب الأسنان التى تستلزم التأسيس المتكامل لمعامل ومختبرات نوعية حديثة
ومتطورة تحتوى كافة الأجهزة والآلات والمعدات التى تمكن الطالب من التطبيق العلمى والعملى
وتسلحه بالمهارات الحديثة التىتمكنه من الإلتحاق بسوق العمل والمنافسة بقوة على المستويين
المحلي والدولي, وما تؤدى إليه من تأسيس مستقبل مهنى واعد للطلاب, وقد تعارفت كليات
طب الأسنان على وجود معمل متكامل حديث ومتطور لإنتاج التيجان والجسور مجهز بوسائل التكنولوجيا
الحديثة لتصنيع أطقم الأسنان الثابتة والمتحركة وزراعة الأسنان وكذلك معمل المحاكاة
- الرؤوس الوهمية - التى تقدم للطالب فرصة لمحاكاة ما يتم تقديمه من علاج للمرضى وذلك
من خلال المجسمات الصناعية ويشمل هذا المعمل منظومة كاملة من أدوات الحفر وأجهزة التنظيف
بالماء والهواء بما يماثل كل ما هو موجود فى كرسى طبيب الأسنان ،فضلاً عن الأجهزة التى
تهتم بإختبار الخواص الفيزيائية والميكانيكية لمواد تعويضات الأسنان بالإضافة إلى المجسمات
الصناعية لكيفية علاج جذور الأسنان وتمكن الطلاب من التدريب في مجال تخدير الأسنان
وجراحتها, وهو ما خلت منه جميعاً كلية طب الأسنان بدمنهور, وبدون تلك المعامل تصبح
دراسة طب الأسنان هى والعدم سواء.
وأشارت المحكمة
أن جامعة دمنهور اُنشئت بالقرار الجمهورى رقم 303 لسنة 2010 واشتملت على اثنتى عشرة
كلية من بينها كلية طب الأسنان, وأن الكلية قد قبلت الفرقة الأولى في العام الجامعي
2015 فضلا عن المقيدين بالفرقة الثانية ودون أن تحتوى الكلية على المعامل والأدوات
والتجهيزات اللازمة لدراسة طب الأسنان وهى من التخصصات الحيوية فى المجال الطبى الحديث
التى تستلزم وجود المعامل وملحقاتها, وذلك على الرغم من أن القانون قد الزم المنظومة المسئولة عن التعليم
بدءاً من وزير التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات ومجلس الجامعة المختص ولجنة
المختبرات والأجهزة العلمية التى يشكلها مجلس الجامعة لتزويد الكلية بكافة الأجهزة
والمواد اللازمة سنويا, قبل وضع مشروع الموازنة بوقت كاف, بيد أن كل أولئك قد تخلوا
عن واجبهم الدستورى والوطنى وارتكبوا إثما فى حق هؤلاء الطلاب بأن حولوا كلية طب الأسنان
من كلية عملية إلى كلية نظرية خاوية على عروشها من ثمة معامل أو تجهيزات, واستكانوا
عن تطبيق أبسط قواعد العدل والانصاف للطلاب واستهانوا بمقدرات مستقبلهم العلمى بالمخالفة للدستور والقانون وهى كارثة تعليمية مهينة
للطلاب, مما يوجب على المجلس الأعلى للجامعات فى السنوات القادمة ألا يوافق على تنظيم
القبول بالكليات العملية بالجامعات وتحديد أعدادهم دون أن تكون مجهزة تجهيزاً لائقاًلطبيعة
الدراسة بها.
وأوضحت المحكمة
أنه تم حرمان طلاب الفرقتين الأولى والثانية بكلية طب الأسنان جامعة دمنهور من حقهم
الدستوري الطبيعي في التعليم بعدم وجود معامل وتجهيزات وأدوات بالكلية التى يتلقون
فيها العلم, وأن تعطيل تنفيذ وجود تلك المعامل من شأنه الحاق الضرر الجسيم بمستقبلهم
الجامعي, وإذ صبر كل من المجلس الأعلى للجامعات ورئيس جامعة دمنهور على تلك الكارثة
التعليمية بوضع الطلاب فى فصول صماء خالية من أية تجهيزات لمدة عامين جامعيينبدءا من
2015 دون أن يعبأ كلاهما بمستقبل هؤلاء الطلاب , فإن المحكمة لن تستطيع صبرا, ولا تؤاخذ
الطلاب بما تناسته الجهة الإدارية على قمة مسئولية التعليم فى مصر ولا ترهق الطلاب
من أمرهم عسراً, بعد أن حطوا بمستقبلهم شيئا نكراً, وكان يجب أن يثابوا على تفوقهم
فعلاً حسناً, فهم أمل مصر لبلوغ أمرها رشداً، وقد شارف العام الجامعي الثانى بكليتهم
على الانقضاء دون أن تعيرهم الإدارة اهتماماً أو استجابة أو تقدم لهم أسفاً, مما يستدعى
استنهاض عدل المحكمة بمنح الحماية القضائية العاجلة لمن لاذ فى محرابها طالباً العدل
والانصاف لمن أحسن عملاً, وكان عاقبة أمر المدعى عليهما خُسراً ,وتلك أمور كالنار في
الهشيم يتعين اخمادها وبينهم سداً, فتستجيب معه المحكمة لهم سمعاً وعضداً.
واستطردت
المحكمة أن المشرع إذ أوجب مراعاة التوزيع الجغرافى حال توزيع الطلاب على الكليات إنما
استهدف بذلك رعاية مصلحة الطلاب باعتبارهم محور العملية التعليمية وحجر الزاوية فيها
وركنها الركين, وأن الغاية التى تبرر مراعاة التوزيع الجغرافى تمثل حقا فى الحاق الطلاب
بأقرب كلية لسكنهم رعاية لهم فى هذه المرحلة من العمر التى يكون فيها الطالب أحوج ما
يكون لرعاية أسرته, فحرص المشرع على أن يجنبه معاناة البعد عن موطنه وأسرته, وما يستتبعه
من معاناة نفسية وجهد بدني, وما يتطلبه ذلك من نفقات تزيد من إثقال ولى أمره, ومن أجل
ذلك اَثر المشرع أن يلحق الطالب بأقرب كلية إلى محل اقامته حتى لا يزيده من أمره رهقاً.
وأن معيار
التوزيع الجغرافى معيار موضوعى عادل يهدف إلى مصلحة الطلاب فى الحالة الفريدة فى الدعاوى الماثلة التى لم يخلق
مثلها فى البلاد , والتى تتمثل فى أن تكون الكلية العملية كطب الأسنان بدمنهور خاوية
على عروشها من أية معامل أو مختبرات أو تجهيزات مما تعد الدراسة بها بما يحرم الطلاب
من التأهيل العملى المهنى هى والعدم سواء, وتصبح محض خواء وهباء، ويتعين توزيعهم على
كليات طب الأسنان المناظرة فى الجامعات المصرية طبقا للمعيار الجغرافى بعد أن أصبحت
الدراسة بتلك المنشأة لا تسمن ولا تغنى من جوع, وتبدو وكأنها أعجاز نخل خاوية, فهل
ترى لها من باقية؟ مما يلحق بهؤلاء الطلاب الضرر الجسيم لمستقبلهم الجامعي, ويستنهض
عدل المحكمة للحيلولة دون إرهاق الطلاب من
أمرهم عسراً, بعد أن نال منهم القرار الطعين شيئاً نكراً وأضحى فى ميزان الحق يقيناً
خسراً.
وذكرت المحكمة
أن ثمة قاعدة أصولية باتت مسلمة في مجال الفقه الإسلامي أن "المشقة تجلب التيسير"
ذلك أن الصعوبة التى تصادف في شئ, تكون سبباً باعثا على تسهيل وتهوين ذلك الشئ, ومن
ثم وجب التوسيع وقت الضيق, فتجويز التيسير شُرع دفعاًللمشقة وجلباً للتيسير, ووفقاً
للقاعدة الأصولية فى الفقه الإسلامى فإن الضرر يجوز إزالته بضرر يكون أخف منه ولا يجوز
أن يزال بمثله أو بأشد منه, وما من ريب أن دراسة طب الأسنان بجامعة دمنهور بدون المعامل
والتجهيزات والأدوات على نحو يؤدى إلى تخريج طبيب للمجتمع غير جدير بالمهنة بما يمس
صحة المواطنين هو الضرر الأشد, وأن توزيعهم على الجامعات الأربع المذكورة حال مزاحمة
هؤلاء الطلاب لتلك الجامعات هو الضرر الأخف, ومن ثم فإن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.