قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الله تعالى أنعم على الأمة الإسلامية بشريعة كريمة سمحة، سعد بها وبأحكامها المسلمون كل السعادة، وعاش في ظلها الوارف غيرهم من أهل الملل الأخرى آمنين مطمئنين.
ونبّه الإمام الأكبر إلى أنه على الرغم من سماحة هذا الدين، ويسر أحكامه، ورحابة استيعابه للمخالفين له، فإنه بمرور الزمن طرأت على الفكر الإسلامى أنماط شاذة من التفكير غابت عن أصحابها حكمة الشريعة ومقاصدها العليا فى التعامل مع أهل الأديان الأخرى، فانحرفت بالإسلام عن سماحته، وبالفكر الإسلامى عن وضوحه ونقائه، حتى رأينا ظواهر غير مألوفة ولا مقبولة فى معاملة غير المسلمين.
واعتبر الإمام الطيب أن هذه المعاملات السيئة تسببت فى حدوث فتن وانقسامات واضطرابات بين أبناء الوطن الواحد، حتى غدا أفراده فريقين متخاصمين غير مؤتلفين، علماً بأن المواطنة فى الإسلام لا تفرق فى الحقوق والواجبات بين الأديان المختلفة، فالكل يتمتعون بالحق نفسه فى العيش فى ظلال الوطن الذى هو حق للجميع، مشيراً إلى تطور الأمر بصدور فتاوى خاطئة ومغلوطة تمنع المسلم من أن يهنئ جاره أو صديقه المواطن المسيحى، وتحظر عليه أن يشاركه فرحه، أو يعزيه فى مصابه، مؤكداً بشكل قاطع أن هذه الأمور تخالف هدى النبى، صلى الله عليه وسلم، وهدى صحابته الكرام فى حسن معاملة غير المسلمين، وبرهم واحترامهم.
وقال الإمام الطيب فى رسالته لطلاب المعاهد الأزهرية فى طليعة كتاب الثقافة الإسلامية، المقرر على طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، إنه من المؤلم حقاً أن تصدر مثل هذه الفتاوى من أناس ليسوا على علم بأصول الشريعة، ولا معرفة بمقاصدها العليا، ولا دراسة لحكمتها البالغة فى التشريع، والأكثر ألماً أن هذه الفتاوى صدقها الشباب واعتقدوا أنها مما جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، والحقيقة عكس ذلك كما ستعرفون من دراسة هذا الكتاب.
وأضاف أنه من أجل ذلك، رأت مشيخة الأزهر أن تعرض لهذه القضايا، وغيرها أيضاً، فى هذا المقرر، فى أسلوب حوارى شائق جذاب، ونرجو أيها الأبناء أن تصرفوا عنايتكم وتركيزكم إلى استيعاب كل جملة، وكل كلمة جاءت فى هذا المقرر المهم -بل البالغ الأهمية- وأن تنتفعوا بها فى حياتكم، وتطبقوها بدقة فى تعاملاتكم مع أصدقائكم من المسلمين وغير المسلمين، وأن تجعلوا من توجيهاتها دستوراً إسلامياً، تطبقونه فى حياتكم العملية، وأن تردوا بها على دعاوى المنحرفين، وأكاذيب الضحايا الذين وقعوا فريسة لأفكار الجماعات الإرهابية المتطرفة، فأضلتهم وأعمت أبصارهم.
وتابع فضيلة الإمام: نصيحتنا التى لا نمل من تكرارها على عقولكم ومسامعكم: أن تحترسوا أشد الاحتراس من أى فكر ضال منحرف يدعو إلى الإساءة إلى المسيحيين، أو إلى تكفير المسلمين، أو كراهية الوطن وقادته وجيشه وقوات أمنه.. فكل هذه الأفكار هى أفكار خارجة عن هدى الإسلام وهدى رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأحكام شريعته التى أمرت المسلم بالإحسان إلى أخيه المسلم، أياً كان مذهبه فى الفقه أو العقيدة، كما أمرته بالبر والإحسان إلى غير المسلم، أياً كان دينه، وأياً كانت عقيدته.
وشدد الإمام الطيب قائلاً: اعلموا أيها الطلاب الأذكياء النجباء أن الله تعالى لو أراد أن يخلق الناس على دين واحد أو لغة واحدة لخلقهم، كذلك -سبحانه- شاء أن يخلق الناس مختلفين فى أديانهم وعقائدهم ولغاتهم: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين»، فالقرآن الكريم يقرر أن الناس سوف يظلون مختلفين إلى يوم القيامة، وأن مرجعهم إلى الله، وهو محاسبهم، واعلموا أننا لسنا وحدنا فى هذا العالم، وأن العلاقة بيننا وبين غيرنا هى علاقة التعارف والتعاون، وليست أبداً علاقة الصراع، أو حمل الناس على الإسلام بالقوة، أو الإساءة إلى أديانهم وعقائدهم، فالناس -فيما يقول الإمام على، كرم الله وجهه: «إما أخ لك فى الدين، وإما نظير لك فى الخلق»، وكما تحب ألا يساء إليك، أو ينتقص من شأنك، فكذلك لا يجوز أن تسىء إلى الآخرين، أو تنتقص من شأنهم».