رئيس جامعة الأزهر يدعو عقلاء العالم إلى تجريمِ «المثلية»
دعا الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، عقلاء العالم إلى تجريم «المثلية» ووضع عقابٍ رادعٍ لها، مشيرًا إلى أنه من المحير أن العالم لا يسير على وِفْقِ ما تقتضيه العقول الراجحة والمنطق السليم، وذلك خلال كلمة فضيلته في المؤتمر الدولي الثالث عشر للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت.
بعنوان: «الأمراض المنقولة جنسيًّا المخاطر والوقاية من منظور إسلامي».
وفي بداية كلمة فضيلته نقل «داود» للحضور تحياتِ فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ورجاءه الصادق لهذا المؤتمر أن يوفقه الله -جل وعلا- لما فيه صلاح الأديان والأبدان.
وأشار فضيلته إلى أنه من المُحيِّر في العالم المتحضر أنه كلما ازداد تقدمه العلمي حسنًا ورقيًّا ازدادت أخلاقه سوءًا وانحطاطًا؛ لأنه لا يسير على وِفْقِ ما تقتضيه العقول الراجحة والمنطق السليم الذي يقول: إن الإنسان كلما ازداد علمًا ازدادت أخلاقُه حسنًا، وارتقى سلوكُه، وانطفأت نيرانُ الفواحش في نفسه، وتحرر من أن يكون عبدًا لشهواته وملذاته، منقادًا لسلطانها الغالب ولأمرها المطاع.
وأضاف أن القرآن الكريم صوَّر أهل التقوى من المؤمنين إذا ألم بأحدهم إلمامةٌ ونَزَغَهُ نَزْغٌ من الشيطان فوسوس له وطاف به طائف من مَسِّهِ ثم ثاب إلى رشده وعاد إلى ربه– صوَّر القرآن الكريم هذه الصورة بإنسان نُزِعَ منه عقلُه وبصرُه نزعًا فغاب عنه التذكر والتفكر والاعتبار وهي قيمة العقل ورسالتُه، وذهب نور بصره فصار أعمى لا يبصر شيئًا؛ فلما انكشفت عنه غاشية الشيطان عاد إليه عقلُه مرة ثانية وعاد إليه بصره مرة ثانية، فتذكر وأبصر، قال الله جل وعلا: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)﴾ (سورة الأعراف)، والذي فتق أكمام هذه الصورة هو قوله في آخر الآية: ﴿تذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ فدل على أنهم حين وسوسة الشيطان غاب عنهم التذكر الذي هو ثمرة العقل وسر وجوده، وغاب عنهم البصر وأصابهم العمى، هذا حال الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان، أما غير المتقين فهم إذا مسهم طائف من الشيطان وألمت بهم وسوسة من وساوسه فإنهم يتوهون في غَيَابةِ الجهل، ويسبحون مع الشيطان في بحر الغواية، ويمدهم الشيطان في الغواية مدًّا، ويطوح بهم بعيدًا حتى يحول بينهم وبين العودة والرجوع إلى الله عز وجل، قال جل وعلا: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)﴾ (سورة الأعراف)، وتَعْجَبُ من أنهم مع غوايتهم واتباعهم الشيطان لم يحرمهم الله -جل وعلا- صفة الأخوة للذين اتقوا فقال: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾؛ ترغيبًا لهم في العودة والأوبة، وترغيبًا لإخوانهم الذين اتقوا في مودتهم والحرص على نصحهم وتذكيرهم؛ ليعودوا ويؤبوا ويرجعوا؛ حتى لا تيأس الأمة من إصلاح من شرد منها ووقع في وهاد الرذيلة، وصار حليفًا للشيطان يمده مدًّا كما يمد الحليف حليفه والنصير نصيره.
وأكد «داود» أنه ينبغي على أهل التقوى والرشاد، وعلى العقلاء في كل أمة، والقائمين على الأمر؛ أن لا ينفضوا أيديهم ممن سقطوا في هذه الوهاد والمستنقعات الوخيمة فيدعوهم نهبًا للشيطان والغواية والرذيلة، عليهم أن لا يملوا من نصحهم وعونهم وعلاجهم روحيًّا بما يصلح نفوسهم، وبدنيًّا بما يصلح صحة أبدانهم حتى لا يكونوا حاملين لأمراض تفتك بهم وبمن يخالطونهم ويعيشون معهم؛ وقد وصفت الآيات البينات العلاج الناجع في الجانب الروحي بحسن تدبر القرآن الكريم والاهتداء بنوره وبإدامة ذكر الله -جل جلاله- حتى يكون العبد موصولًا بربه بالغدو والآصال بعيدًا عن الغفلة التي هي حبل الشيطان وشَرَكُه؛ ولذا قال -جل وعلا- عقب الآية السابقة: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)﴾ (سورة الأعراف)، وهذا من لطيف تناسب الآيات وتناديها، وهو باب واسع من إعجاز الكتاب العزيز.
ونوَّه رئيس جامعة الأزهر إلى أنه مع أمر الله -تعالى- بحفظ الفروج، فمن عجائب ما وُلِدَ في زماننا من مساوئ الأخلاق والفواحش إباحةُ المثلية الجنسية، بأن يأتي الذُّكْرانُ الذُّكْران والإناثُ الإناثَ، وقد صَدَرَ بإباحة هذه المثلية قوانينُ تحميها وتباركها، وهي ارتكاسة في حَمْأَةِ الخَبَال، وانتكاسة تشمئز منها الفطر السليمة إلى فَعْلَة قوم لوط -عليه السلام- الذين أهلكهم الله -تعالى- بسبب هذه الفاحشة إهلاكًا مبيرًا، وقد وصف القرآن الكريم هذه الفاحشة على لسان سيدنا لوط -عليه السلام- في مواضع؛ منها: قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)﴾( الشعراء).
فوصفتهم الآيات بأنهم قوم عادون، وقوم يجهلون، وبئست الخُلتان: العدوانُ والجهل؛ لأن ما اقترفوا مخالف لفطرة الله التي فطر الناس عليها من أن الذكر خلق للأنثى والأنثى خلقت للذكر؛ وأن من مقاصد هذه الفطرة السوية بقاءَ النسل، ولا يحصل بقاء النسل الإنساني إلا بهذه الفطرة السوية، فإذا خالفها الناس – كلُّ الناس على ظهر البسيطة - إلى المثلية البغيضة التي ابْتُلِيَ بها العالم فإن ذلك سيؤدي على سبيل البديهة إلى قطع النسل وفناء الجنس البشري، إضافة إلى ما فيه من ظلم للمرأة حين تبقى مهملة معطلة تحترق بغريزتها مع أن الرجال كُثْر، فتكونُ النساء في هذا الحال:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما...
والماء فوق ظهورها محمول
ويأتي من جراء هذه المثلية البغيضة انتشار الأمراض التي ظهر لنا منها ما ظهر، وفي خبثها باقٍ يطلب الباقي مما لم يكتشفه الطب بعد، وقد بلغ قوم لوط في الاستهزاء والسخرية بنبيهم وبمن آمن معه مبلغًا عظيمًا حتى عيروهم بالطهارة التي هي أم المحامد؛ قال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)﴾(النمل)، وهكذا تغيرت المفاهيم فانقلبت الطهارة من الفواحش عيبًا في تلك العقول المريضة؛ ولذا نزل بهم الغضب الإلهي الرهيب الذي نكاد نسمع زلزلته في قول الله جل جلاله: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)﴾ ( هود: 82)، وأخشى ما أخشاه أن ينزل هذا الغضب والعقاب بمن اتخذوا قوم لوط لهم قدوة في هذه الفَعلة النكراء، وإن هذبوا مصطلح «اللواط» ووضعوا مصطلح «المثلية» موضعه؛ فإن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها؛ كما أن السَّرْجَ المُذَهَّب - أي: المصنوع من الذهب - لا يجعل الحمار حصانًا، وقد أمرنا ربنا أن نأخذ العبرة والعظة من قصة لوط -عليه السلام- وما حاق بقومه من الهلاك؛ فقال جل وعلا: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)﴾ (الشعراء)، وقال جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)﴾ (العنكبوت)؛ فهل يتعظ إخوان المثلية وأخواتها بهذه العبرة الواضحة لكل ذي عقل سليم؟!
ودعا رئيس جامعة الأزهر عقلاء العالم أن يجتمعوا على كلمة سواء بينهم لتجريم هذه المثلية البغيضة النكراء، ووضع عقاب رادع لها؛ ليتطهر الكون من رجسها، وقد جعل الشرع الحنيف عقوبة اللواط القتل لكل من الفاعل والمفعول به، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أن حد اللوطي كحد الزاني؛ بقتل المحصن وجلد غير المحصن، وذهب بعضهم إلى أن عقوبته التعزير بما يراه ولي الأمر، وفي الحديث الشريف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ، وَالْمَفْعُولَ بِهِ» (سنن الترمذي باب ما جاء في حد اللوطي برقم 1456)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» (مسند أحمد، مسند عبد الله بن العباس، حديث رقم: 2816).