شيخ الأزهر: الإسلام أمر بعدم إخراج المطلقات من بيت الزوجية في عدتهن
قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن مِمَّا يتعلَّق بموضوع «الطَّلاق» في الإسلام ويمسُّه مَسَّا مُباشرًا مسألةُ الطَّلاق الشَّفهي أو «الإشهادِ على الطلاق» أو: «توثيقِ الطَّلاق» أو غير ذلك من الأسماء التي قد تتداخل معانيها وتحتاج إلى شيءٍ من البيان والتحديد.
وأضاف فضيلته اليوم الخميس خلال الحلقة الثانية والعشرين من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» أن ما يُمكن قوله في هذا المقام هو: بيانُ ما وَرَدَ في أول سورة الطَّلاق مما يتعلق بهذا الشأن، فقد وردت في أوَّلِ آيتين من هذه السورة تكاليفُ في صيغة أوامر، تُــبَيِّن للمُسلِمين أنَّه: إذا عزم أحدهم على طلاق زوجته فعليه أنْ يُطلقَها في بدايةِ عِدَّتها، وفي طُهْرٍ لم يتماسَّا فيه، وأن يتَّقوا الله في ذلك، وألَّا يُخْرجوا المطلَّقاتِ من بيت الزوجية أثناء عِدَّتهن، وألَّا يَخرُجْن من تلقاء أنفسهن حتى تنقضي عدتهن، اللهم إلَّا في حالةٍ نادرة الوقوع، هي حالة اقتراف الفاحشة، اقترافًا بَيِّنًا واضحًا لا مجالَ فيه لشكٍّ أو اشتباه. ثم تُذكِّرهم الآية بأن هذه حدودٌ حدَّها الله تعالى، لا يجوز لمؤمنٍ أن يَتعدَّاها.
وأكد شيخ الأزهر أن مَدارُ هذه الآية الأولى هنا هي على بقاء المطلَّقة في بيت الزوجية مع زوجها، والسِّرُّ في ذلك ما تنصُّ عليه الآية من رجاءِ أنْ يُحْدِثَ اللهُ تعالى من الأسباب -في فترة العِدَّة- ما عساه أنْ يحمل الزوجَ على تغيير رأيه في زوجته فيُراجعَها قبل أن تخرج من عِدَّتِها.. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1].
وتابع فضيلته أن الآية الثانية تأتي لتُبيِّن أنَّه إذا لم يحدثْ بينهما جديد، وأوشكت عِدَّة الزوجة على الانتهاء فليس أمام الزوج -شرعًا- إلَّا أحدُ أمرين: إمَّا أنْ يراجع زوجته بالمعروف، وإمَّا أنْ يُفارقها بالمعروف أيضًا، بأن يعطيها حقوقها، ويتركَها وشأنها من غير طلاق، وعلى الزوج حينئذٍ أن يُشْهِدَ شاهدي عدل على ما يتخذه من هذين الموقفين: الرجعة أو المفارقة: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطَّلاق:2-3]. وخُلاصَة ما في الآية الأولى والثانية من أحكامٍ تشريعيَّةٍ هو: الطَّلاق لأوَّل العِدَّة في الآية الأولى، ثم: الرجعة والإشهاد عليها في الآية الثانية.
وأوضح شيخ الأزهر أن هذه المسألة هنا جاءت بسؤالين محوريين تساءلهما الأئمَّة والعلماء: السُّؤال الأول هو: هل يتوجَّه الأمر بالإشهاد في الآية الثانية على الرجعة فقط، أو يرجعُ للوراء، فيتوجَّه أيضًا إلى «الطَّلاق» المذكور في الآية الأولى، وهذا السُّؤال لا يهمنا كثيرًا في هذه الحلقة. والسؤال الثاني: إذا قلنا: إنَّ الأمر بالإشهاد مُتوجِّهٌ على الطَّلاق في الآية الأولى، فهل يُراد به الأمرُ على سبيل الوجوب، بمعنى: أنَّ مَن يُطلِّق بدون أن يُشْهِدَ اثنين ذوي عدلٍ على طلاقِه آثمٌ ومخالفٌ لأمر الله تعالى، ويكون طلاقه لاغيًا كأن لم يكن، أو يُراد به الأمر على سبيل الاستحباب فقط، وحينئذٍ لا يأثم المطلِّق بدون إشهاد ويقع طلاقه؟