د. وائل كامل يكتب: رواتب ومعاشات أساتذة الجامعات «حدث ولا حرج»
تواجه الجامعات الحكومية في مصر تحديات جمة تتعلق بضعف رواتب ومعاشات المجتمع الجامعي، مما يؤثر بشكل مباشر على العملية التعليمية وجودة البحث العلمي.
وفي هذا السياق، يمكن تسليط الضوء على عدة نقاط تدعو إلى مراجعة شاملة للسياسات المتبعة في هذا المجال.
إن الرواتب المتدنية لأساتذة الجامعات تؤدي لهروب الكفاءات وعزوف أوائل الطلاب عن التعيين كمعيدين، وانشغال المعينين منهم بأعمال خارجية أو البحث عن انتداب في أي جامعة خاصة أو أهلية بحثًا عن دخل أفضل لمجابهة الارتفاعات المتزايدة في الأسعار.
هذا التوجه لا ينعكس فقط على جودة التعليم، بل يؤثر سلبًا على مستوى البحث العلمي بجامعاتنا الحكومية، حيث يتشتت تركيز الأساتذة بين التزاماتهم الأكاديمية ومصادر الدخل البديلة واحتياجات أسرهم، وبالتالي، نجد أن الغالبية تسعى دائمًا للبحث عن فرص أفضل، مما يهدد جودة التعليم العالي في البلاد بهروب الكفاءات.
وفي السنوات الأخيرة، تم تثبيت العلاوات والبدلات على أساسي راتب عام 2015، مما جعل البدلات واالعلاوات التي تشكل أكثر من ثمانون بالمئة من إجمالي الراتب هي نسب مقطوعة ثابتة، مهما تم من زيادة بضع عشرات الجنيهات في أساسي الراتب لتستمر البدلات والعلاوات بنفس قيمهم منذ تسعة أعوام ووقت أن كان الدولار بسبعة جنيهات.
هذا الأمر أدى إلى استنزاف الوقت والجهد من قبل الأساتذة في رفع القضايا أمام المحاكم للحصول على زيادات بضع الجنيهات لمجرد أن يتم إضافة علاوتين لأساسي الراتب وحساب باقي المتغيرات على أساسي يوليو ٢٠١٦ بدلا من ٢٠١٥، في حين كان يجب عليهم أن يركزوا على مهامهم الأكاديمية والبحثية.
وتتزايد معاناة أساتذة الجامعات المتقاعدين الذين أفنوا حياتهم في خدمة التعليم والبحث، حيث لا يتجاوز معاش أستاذ دكتور أفني حياته بخدمة مهنته على أقصى تقدير أربعة آلاف جنيه مصري، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية فاتورة الكهرباء والمياه والغاز، وليس باقي المتطلبات الأسرية في مرحلة عمرية تعج بالأمراض المزمنة، يُحرم هؤلاء من الاستقرار المالي الذي يستحقونه ومكافئة نهاية خدمتهم لا تكفي تكلفة علاج ثلاثة أيام في مستشفى خاص لو أصيب بمشكلة صحية واستلزمت رعاية مركزة.
تجدر الإشارة إلى أن جدول رواتب أساتذة الجامعات وضعت بقانون رقم ٤٩ لعام 1972 وعدلت قيمة العلاوة الدورية فقط بقانون رقم ٣٢، والذي نشر بالوقائع بتاريخ ٢٩ يونيو عام ١٩٨٣، لتصبح العلاوة الدورية المستحقة من مدرس مساعد لمدرس هي خمسة جنيهات فقط لا غير ومن مدرس لأستاذ مساعد هي جنيه واحد فقط لا غير، ومن أستاذ مساعد لأستاذ خمسة وعشرون قرشا فقط لا غير، فهل يعقل في زماننا هذا أن تكون علاوة أستاذ الجامعة ربع جنيه...!!.
ومنذ ذلك الوقت وباقي القيم ثابتة على جدول رواتب عام ١٩٧٢ ماعدا قيمه بدل الجامعة وحافز الجودة فقط لا غير والتي تم تعديلها عام ٢٠١٢، واستمرت باقي القيم كما هي في السبعينات وقت أن كان للقرش قيمته وكان الجنيه المصري يشتري نصف جرام ذهب عيار ٢٤.
كل ما سبق يعكس عدم جدية الحكومة في تحسين الأوضاع المالية لأساتذة الجامعات الحكومية بتركيزهم على تطوير التعليم الخاص والأهلي وتحسين رواتبه، وترك الجامعات الحكومية بموازنات ضعيفة لا تكفي.
ومع تزايد كلفة المعيشة وغلاء الأسعار، يصبح من الصعب على الأساتذة مواكبة احتياجاتهم الأساسية.
ومع ارتفاع الأسعار ومعدل التضخم المتزايد يؤثر بشكل كبير على دخل الأسرة، حيث يُلتهم الراتب الشهري في تكاليف العلاج والأدوية ومتطلبات المعيشة، مما يضيف عبئًا إضافيًا على الأساتذة وأسرهم.
وتتفاقم الأوضاع المعيشية بالنسبة لأسر الأساتذة المتوفين وشباب الباحثين، حيث يضطر البعض إلى بيع مكتبات الراحلين، في حين يضطر آخرون لإخراج أبنائهم من التعليم لمساعدتهم في تحمل نفقات الحياة، هذه الظاهرة تعكس الأزمة العميقة التي تعاني منها المنظومة التعليمية.
إن ضعف رواتب أساتذة الجامعات ومعاشات المتقاعدين يمثل أزمة حقيقية تهدد مستقبل التعليم العالي في مصر، ومن الضروري على مسؤولي التعليم اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الأوضاع المالية للأساتذة، لضمان جودة التعليم والبحث العلمي، وتحقيق الاستقرار للأساتذة المتقاعدين وأسرهم، ويجب أن يكون الاستثمار في التعليم العالي كخدمة وليس سلعة من الأولويات، فهو ركيزة أساسية لبناء مستقبل أفضل.