السبت 11 يناير 2025 الموافق 11 رجب 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
مقالات

د. وائل كامل يكتب: "نظام البكالوريا.. تجاهل استشارات الخبراء ومخاطر التطبيق العاجل بين التسرع والإعداد الجيد"

كشكول

إذا تم تطبيق نظام البكالوريا بشكل متسرع كبديل عن الثانوية العامة من العام القادم دون أخذ رأي أعضاء هيئة تدريس الجامعات، وخصوصًا أساتذة كليات التربية، مع أخذ رأي خبراء ضمان الجودة والاعتماد بوحداتها المتعددة داخل الجامعات المصرية وبشكل شفاف، فإن ذلك قد يؤدي إلى عدة نتائج سلبية تؤثر بشكل بالغ على جودة التعليم في مصر. وقد تزداد المخاطر في حالة اتخاذ هذا القرار بشكل عاجل والتسرع في تطبيقه دون إعداد شامل.

من أهم المخاطر التي قد تنشأ نتيجة التطبيق السريع لنظام البكالوريا دون إشراك المعنيين هو الارتباك والقلق وغياب الثقة الذي قد يصيب الطلاب وأولياء الأمور ويفقد المصداقية في صناعة القرار بسبب ما يحدث من تغييرات متعددة مفاجئة للتعليم على مدار فترات قصيرة، فالتغييرات المتعددة المفاجئة في النظام التعليمي بدون إعداد جيد وتمهيد يخلق حالة من القلق وعدم الوضوح حول كيفية التكيف مع النظام الجديد، مما يضر بأداء الطلاب وقدرتهم على التأقلم مع المنهج الجديد وأساليب التقييم والتقويم والمخرجات التعليمية، وستتوالى معه مشكلات بمكتب التنسيق ونظم القبول بالجامعات.

وغياب التشاور مع أعضاء هيئة تدريس الجامعات قد يؤدي إلى عدم التوافق بين النظام الجديد ومؤهلات خريج البكالوريا واحتياجات ومتطلبات التعليم الجامعي بكل تخصص على حدة. فأساتذة الجامعات بكافة كلياتها وأقسامها العلمية، وخصوصا أقسام المناهج وطرق التدريس وتخطيط التعليم وتكنولوجيا التعليم بكليات التربية، يمتلكون الخبرة الضرورية لتقييم تأثير النظام الجديد على انتقال الطلاب من مرحلة التعليم الثانوي إلى التعليم العالي، وسيكون لهم رؤية علمية مدروسة لا تقبل الجدل. وقد يتسبب غياب هذا التشاور في صعوبة تكيف الطلاب مع التعليم الجامعي.

كما أن تطبيق النظام دون التنسيق مع وحدات ضمان الجودة والاعتماد بمختلف كليات الجامعات والهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد قد يؤدي إلى عدم تحقيق المعايير الأكاديمية، وبالتالي لن تتحقق جودة التعليم التي نص عليها الدستور المصري، مما يضع ضغطًا على الجامعات بتكبيل يدها في مناهجها لأن مؤهلات خريج البكالوريا قد لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات الجامعات. وفي حال عدم التنسيق، قد تخرج مخرجات التعليم دون مستوى يتناسب مع المعايير الأكاديمية المطلوبة والمخرج النهائي.

ما يحدث الآن من غياب الشفافية واتخاذ القرارات المصيرية بشكل منفرد ومتسرع يؤثر بشكل خطير على مستقبل التعليم بمصر وكفاءة شهاداته، لأن الشفافية هي الأساس في اتخاذ قرارات التعليم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بقرارات مصيرية. وفي حال غياب الشفافية، قد يتم اتخاذ قرارات تؤدي إلى فقدان الثقة بين المعنيين بالتعليم، من المعلمين، الطلاب، وأولياء الأمور، وسوق العمل وصناع القرار، مما يعقد من عملية تطبيق النظام الجديد.

نظام التعليم في فنلندا يعد من أبرز النماذج التعليمية العالمية التي تميزت بجودة عالية، ويعتمد بشكل كبير على الشفافية وأخذ رأي الخبراء في اتخاذ القرارات. وعلى سبيل المثال، عند تطبيق أي تغييرات في النظام التعليمي أو المنهج الدراسي أو طريقة تقييم الطلاب.. إلخ، يتم إشراك جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك أساتذة التعليم الثانوي، أساتذة الجامعات، وأولياء الأمور، في عملية التخطيط والتنفيذ بشكل شفاف، مما يمنح الجميع الفرصة لإبداء آرائهم وإعلانها بكل شفافية قبل إقرار التعديلات. ويتم تحديد التعديلات بشكل تدريجي بعد دراستها بعناية وتجريبها على نطاق ضيق وتقييم التجربة وإعلان نتائجها، ثم التوسع فيها وتعميمها، ما يتيح تحضير الطلاب والمعلمين على السواء للتغيير ويمنح ثقة ودعما لمتخذي القرار.

من الممكن الاقتباس من هذا النموذج من خلال تبني نظام التعليم الفنلندي وآلياته في اتخاذ القرار بإشراك أساتذة الجامعات، المعلمين وأولياء الأمور ووحدات ضمان الجودة في المراحل المبكرة من تصميم أي نظام جديد. كما يجب تنظيم ورش عمل ومناقشات مفتوحة حول التغييرات المقترحة، لضمان أن جميع الأطراف المعنية قد حصلت على الفرصة الكافية للمشاركة في تطوير النظام التعليمي، مما يعزز من الثقة في النظام ويسهل التكيف مع التغييرات. وقبل كل ما سبق، يجب إعلان أن تطوير التعليم المصري هو مشروع قومي له الأولوية عن أي مشاريع أخرى، ويرصد له الموازنات الكافية والدعم اللازم لتسهيل الإجراءات.

وهناك خطوات هامة جدا كان يجب وضعها بالاعتبار مثل إعداد محتوى المقررات وإعداد برامج تدريبية شاملة للمعلمين على أساليب التدريس ونظم التقييم والتقويم المتوافقة مع النظام الجديد لتحديد أفضل الأساليب التعليمية التي يمكن أن تساعد المعلمين في التعامل مع المنهج الجديد.
وما هو المانع من إجراء تجارب مبدئية في عدد من المدارس لتقييم كفاءة النظام الجديد قبل تطبيقه على مستوى البلاد؟ هذه التجارب كانت ستوفر بيانات قيمة حول مدى قابلية النظام للتطبيق وتساعد في معالجة أية مشكلات قد تظهر في وقت مبكر.

ومن الضروري أن يتم وضع آلية لتقييم النظام الجديد بشكل مستمر بعد تطبيقه لضمان تحقيق الأهداف التعليمية المحددة، واتخاذ إجراءات تصحيحية في حال وجود أي مشكلات.

لذلك، كان ينبغي اتخاذ خطوات أكثر شمولًا قبل إعلان تطبيق النظام الجديد من العام القادم بهذا الشكل المتسرع في اتخاذ القرار، لضمان أن النظام الجديد سيكون له تأثير إيجابي ومستدام على العملية التعليمية بنتائج ترضي جميع الأطراف وتحقق تقدمًا لوطننا الحبيب.