عقب أزمة طالبة التجمع| أبرز 3 حوادث عنف داخل المدارس 2024.. وخبراء: السر في الضغوط النفسية
تشهد ظاهرة العنف بين الطلاب داخل المدارس تصاعدًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، ما يثير القلق حول مستقبل الأجيال القادمة وتأثير هذه السلوكيات على البيئة التعليمية والمجتمع ككل.
وكانت واقعة اعتداء ثلاث طالبات على زميلتهن داخل إحدى المدارس الدولية بالتجمع الخامس نموذجًا صارخًا على هذه المشكلة، حيث انتشر مقطع الفيديو بشكل واسع، مما فتح باب النقاش حول أسباب هذه الظاهرة وتأثيرها على الطلاب المتورطين والمجتمع التعليمي.
وشهدت مدارس مصر في عام 2024 سلسلة من حوادث العنف التي أثارت القلق بين أولياء الأمور والمجتمع بشكل عام، وتعكس هذه الحوادث تزايد حالات العنف سواء كان جسديًا أو نفسيًا، مما يستدعي تدخل السلطات التربوية والأمنية لمراجعة الأنظمة المتبعة في المدارس لحماية الطلاب وضمان بيئة آمنة.
حادثة بورسعيد: جريمة قتل داخل المدرسة
في 3 نوفمبر 2024، شهدت إحدى مدارس محافظة بورسعيد واقعة مأساوية تمثلت في قتل طالب على يد زميله بعد مشاجرة بينهما، وقد استخدم الطالب المتهم سكينًا في طعن المجني عليه في صدره، مما أسفر عن وفاته بعد نقله إلى المستشفى، والحادث أثار صدمة كبيرة بين الطلاب وأولياء الأمور، وفتحت النيابة الإدارية تحقيقًا في الواقعة، حيث تم ضبط الجاني بعد هروبه من المدرسة.
حادثة الإسكندرية: ضرب وتعرض للإهانة من المديرة
وفي حادث آخر وقع في محافظة الإسكندرية، تعرض الطالب كريم أحمد محمود حسن للإهانة والضرب من قبل مديرة مجمع المدارس الذي يدرس فيه.
ووفقًا للشكوى التي تقدم بها والد الطالب، فقد أصيب كريم جسديًا ونفسيًا نتيجة التعدي عليه من المديرة، مما دفع والده لتحرير محضر ضدها، مطالبًا بفتح تحقيق رسمي من قبل مديرية التربية والتعليم.
وفي ذات السياق، شهدت مدارس أخرى حالات عنف مقلقة كان من أبرزها تلميذ في مدرسة “سيد الشهداء” الابتدائية بالعجوزة، الذي فقأ عين زميلته بسبب خلاف على أولوية الكتابة على السبورة، مما أدى إلى فقدانها للبصر، وهذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتدابير وقائية وطرق فعالة لحل النزاعات بين الطلاب.
حالة انتحار في مدرسة بالقاهرة
وفي حادث مؤلم آخر، أقدم طالب في الصف الثاني الإعدادي على الانتحار داخل حمام مدرسته في منطقة الظاهر بالقاهرة، بعد أن تعرض للتعنيف من والده بسبب خروجه دون إذن، وهذه الحادثة المأساوية تسلط الضوء على العلاقة بين العنف الأسري وتأثيره المباشر على سلوك الطلاب داخل المدرسة.
وفي هذا السياق، يرى خبراء التربية وعلم النفس أن هذه الحوادث تعكس غياب الرقابة الأسرية، الضغوط الدراسية، وتأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين أهمية التدخل العاجل لمعالجة هذه السلوكيات من جذورها.
السلوك العدواني بين الطلاب: الأسباب وطرق المواجهة
كشف الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، في تصريحات خاصة لموقع “كشكول”، عن تعدد الأسباب التي تؤدي إلى السلوك العدواني والعنف المدرسي بين الطلاب، مشيرًا إلى عدة عوامل أساسية:
أسباب السلوك العدواني بين الطلاب
1. ضعف التربية الوجدانية والأخلاقية:
وأشار الدكتور حجازي إلى أن منظومة التعليم تركز بشكل كبير على الأهداف المعرفية ومستوياتها العليا، بينما يتم تجاهل الجوانب الوجدانية والمهارية، رغم أهميتها في بناء شخصية متكاملة للطلاب.
2. ضغوط المناهج والتقييمات:
وأوضح أن الضغوط التعليمية التي يعاني منها الطلاب نتيجة المناهج والتقييمات المتراكمة تُترجم في بعض الأحيان إلى سلوك عدواني.
3. غياب الأنشطة المدرسية:
وأضاف أن الأنشطة الرياضية، الفنية، والثقافية التي تناسب اهتمامات الطلاب غائبة عن المدارس، مما يُضعف من قدرتها على توجيه طاقات الطلاب بشكل إيجابي.
4. ضعف دور الأخصائي النفسي والاجتماعي:
وأكد أن هناك قصورًا في تفعيل دور الأخصائي النفسي والاجتماعي في المدارس، مما يزيد من تفاقم المشكلات السلوكية والنفسية لدى الطلاب.
5. غياب التربية الأسرية:
وأشار إلى أن بعض الأسر تركز فقط على تقديم الرعاية المادية للأبناء، مع إهمال الجوانب التربوية، وتركهم تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ونماذج العنف فيها.
6. تأثير الأعمال الفنية السلبية:
ولفت إلى أن انتشار البرامج والأعمال الفنية التي تعتمد على التنمر والسخرية كوسيلة للضحك يرسخ لدى الطلاب فكرة أن هذا النمط من السلوك مقبول.
7. قصور في الإدارة المدرسية:
وانتقد عدم قيام إدارة المدرسة والمشرفين بدورهم الكامل، إضافة إلى غياب تطبيق لائحة الانضباط المدرسي والميل لتجاهل المشكلات بدلًا من مواجهتها.
مقترحات لمعالجة الظاهرة
1. إعادة الدور التربوي للمدرسة:
وشدد الدكتور حجازي على أهمية تطوير المناهج وتفعيل الأنشطة المدرسية بفاعلية، مع التركيز على الجوانب الوجدانية والمهارية لدى الطلاب.
2. تأهيل الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين:
ودعا إلى تدريبهم بما يتماشى مع التحديات الحالية لتلبية احتياجات الطلاب.
3. التعاون بين الأسرة والمدرسة:
وأكد أهمية توعية الأسر بالمشكلات السلوكية والنفسية، وتقديم الإرشاد اللازم لهم للتعامل معها.
4. الكشف المبكر عن المشكلات:
وأوصى بالكشف عن المشكلات النفسية والسلوكية والتعليمية التي يعاني منها الطلاب، والعمل على علاجها بطرق فعّالة.
5. تنمية المواهب:
وشدد على ضرورة اكتشاف وتطوير مواهب واهتمامات الطلاب، بما يسهم في توجيه طاقاتهم بشكل إيجابي.
6. تحسين المناخ المدرسي:
واقترح تشجيع العمل الجماعي بين الطلاب وخلق بيئة مدرسية داعمة ومحفزة.
7. تفعيل لائحة الانضباط المدرسي:
ودعا إلى تطبيقها بحزم لضمان السيطرة على السلوكيات العدوانية والحد منها.
وأكد الدكتور حجازي، أن مواجهة العنف المدرسي تحتاج إلى تكامل جهود المدرسة والأسرة والمجتمع لتحقيق بيئة تعليمية سليمة وداعمة لنمو الطلاب على المستويين النفسي والسلوكي.
خبيرة تربوية: غياب القيم التربوية وانتشار السوشيال ميديا أبرز أسباب عنف الطلاب في المدارس
في تصريحات خاصة لموقع "كشكول"، حول ظاهرة العنف بين الطلاب في المدارس، أكدت الخبيرة التربوية بثينة رمضان أن انتشار السلوك العدواني بين الطلاب يعود إلى مجموعة من الأسباب التربوية والاجتماعية التي تحتاج إلى حلول عاجلة لضمان استقرار البيئة التعليمية.
وأوضحت بثينة رمضان، أن التركيز على التحصيل الأكاديمي فقط دون ترسيخ القيم الأخلاقية والتربوية لدى الطلاب يؤدي إلى ضعف في بناء شخصية متزنة قادرة على التعامل مع الآخرين بسلوكيات إيجابية، وأشارت إلى أن السوشيال ميديا أصبحت منبعًا للسلوكيات السلبية، حيث يتعرض الطلاب لمحتوى يتضمن مشاهد عنف وتنمر، مما يؤثر على تصرفاتهم داخل المدرسة.
ولفتت رمضان، إلى أن غياب التواصل الفعّال بين الأسرة والمدرسة يُفاقم المشكلة، حيث ينشأ الطفل في بيئة تفتقر للرقابة والتوجيه السليم، وأضافت أن الضغوط الدراسية الكبيرة على الطلاب قد تخلق لديهم مشاعر التوتر والإحباط، مما يدفع البعض للتفريغ السلبي من خلال العنف.
وحذرت الخبيرة، من أن الأعمال الفنية التي تعتمد على مشاهد التنمر أو السخرية تزرع في عقول الطلاب فكرة أن العنف مقبول ومبرر.
ودعت إلى ضرورة إدخال برامج تعليمية تعزز قيم الاحترام والتسامح والعمل الجماعي، وتطبيقها بشكل مستمر داخل المدارس، وشددت على أهمية تقديم أنشطة رياضية وفنية وثقافية تُخرج طاقات الطلاب بشكل إيجابي، وتُسهم في بناء شخصياتهم بطريقة صحية.
وطالبت بتأهيل الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في المدارس للكشف عن المشكلات السلوكية والنفسية لدى الطلاب والعمل على علاجها قبل تفاقمها، أكدت على ضرورة عقد لقاءات دورية بين أولياء الأمور والمعلمين لمتابعة سلوكيات الطلاب والتنسيق لحل أي مشكلات قد تنشأ.
خبير تربوي: الأسرة والمدرسة هما خط الدفاع الأول لمواجهة عنف الطلاب
أكد الدكتور محمد عبدالعزيز، الخبير التربوي، في تصريحات خاصة لموقع “كشكول”، أن تصاعد ظاهرة العنف بين الطلاب في المدارس يعكس خللًا في منظومة التربية والتعليم، مشيرًا إلى أن علاج هذه الظاهرة يبدأ بتعزيز دور الأسرة والمدرسة كأطراف رئيسية في توجيه سلوكيات الطلاب.
وأوضح عبدالعزيز، أن غياب القيم التربوية من المناهج الدراسية، والانشغال بالتحصيل الأكاديمي فقط دون التركيز على بناء شخصية الطالب، يُعد من الأسباب الرئيسية للعنف. وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مصدرًا كبيرًا للسلوكيات السلبية، حيث يكتسب الطلاب أنماطًا عدوانية من المحتوى الذي يشجع التنمر أو العنف.
وأشار عبدالعزيز، إلى أن ضعف الأنشطة المدرسية يؤثر بشكل كبير على سلوك الطلاب، حيث تُعد هذه الأنشطة متنفسًا أساسيًا لطاقة الطلاب وتساهم في تعزيز العمل الجماعي وروح التعاون.
وشدد على ضرورة تفعيل دور الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في المدارس، لتقديم الدعم اللازم للطلاب الذين يعانون من مشكلات نفسية أو سلوكية.
واختتم عبدالعزيز تصريحاته، بالتأكيد على أهمية التعاون بين الأسرة والمدرسة لتعزيز القيم الإيجابية لدى الطلاب، إلى جانب تفعيل لوائح الانضباط المدرسي بحزم لضمان توفير بيئة تعليمية آمنة وخالية من العنف.
استشاري نفسي: العنف بين الطلاب نتيجة تراكمات مجتمعية وغياب الرقابة
صرّح الدكتور جمال فرويز، الاستشاري النفسي، بأن ظاهرة العنف بين الطلاب داخل المدارس تعكس مشكلات مجتمعية أعمق ترتبط بغياب الرقابة من الأسرة والمدرسة، بالإضافة إلى تأثيرات البيئة المحيطة والضغوط النفسية التي يتعرض لها الأطفال.
وأوضح فرويز، في تصريحات خاصة لموقع “كشكول”، أن الأطفال في المرحلة المدرسية يتأثرون بشكل كبير بما يشاهدونه في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر مشاهد العنف والتنمر كوسائل للتعبير أو تحقيق الذات، مما يدفعهم لتقليد هذه السلوكيات في حياتهم اليومية.
وأضاف أن غياب دور الأسرة في التربية الحقيقية، واقتصار اهتمامها على توفير الاحتياجات المادية دون متابعة نفسية وسلوكية، يجعل الطفل عرضة لاكتساب عادات سلبية، كما أن الضغط الدراسي وعدم تفريغ الطاقة الزائدة من خلال الأنشطة الرياضية والفنية يدفع الطلاب للجوء إلى العنف كوسيلة للتنفيس عن انفعالاتهم.
وشدد فرويز على أن الحل يكمن في تعزيز التوعية النفسية، سواء داخل المدرسة من خلال دور الأخصائي النفسي والاجتماعي، أو من خلال حملات توعية مجتمعية للأسر حول أهمية متابعة سلوكيات الأبناء، كما أوصى بضرورة إعادة الأنشطة المدرسية بشكل فعال، وتقديم الدعم النفسي للأطفال الذين يعانون من مشكلات سلوكية أو نفسية.
واختتم الدكتور جمال فرويز، حديثه بالتأكيد على أن التصدي للعنف بين الطلاب يحتاج إلى تعاون مشترك بين الأسرة والمدرسة، مع تفعيل القوانين واللوائح التي تضمن الانضباط داخل البيئة التعليمية.