الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

المرسي: قرار إيقاف القنوات الإقليمية يقع بين حواجز شائكة.. ولم تحقق أهدافها

كشكول

 

قال الدكتور محمد المرسي أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن هناك الكثير من الشجون وبعض الألم والكثير من الأفكار حول ما وصل إليه الحال بالقنوات الإقليمية أثارها  قرار لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب بوقف البث الفضائي لها، مؤكدًا أنه من المهتمين جدا بالقنوات الإقليمية ومن المدركين لأهمية وجودها واستمرارها في حال التزامها بأهداف إنشائها وفلسفة وجودها.

وأضاف المرسي، أن هذه القنوات تضم عناصر بشرية مدربة عالية الكفاءة ولا تقل بأي حال في كفاءتها عن العناصر البشرية المؤهلة في القنوات العامة أو المتخصصة، قائلًا "يعمل إعلاميو هذه القنوات في ظل ظروف ومناخ عمل غاية في الصعوبة من حيث صعوبة توفير استديوهات وكاميرات وأجهزة حديثة للعمل أو أجهزة حديثة للبث المباشر أو مواصلات لائقة تخص العمل أيضًا، ناهيك عن الميزانيات الضعيفة جدا للإنتاج البرامجي، يضاف لذلك عامل مهم وهو إحساس غالبية العاملين بهذه القنوات بأنهم أقل مرتبة واهتماما وأهمية من زملائهم بالقنوات العامة وذلك على مستوى التقدير المعنوي والمادي أيضًا".

وأشار المرسي، إلى أن القنوات الإقليمية لم تحقق أهدافها، مضيفًا "كي أكون منصفا أن بعض الأهداف قد تتحقق من حين إلى آخر وفي أضيق الحدود وكي أكون أكثر إنصافا قد تكون هذه القنوات قد حققت بعضا من أهدافها بشكل أكبر في بدايات إنشائها حيث كان هناك بعض الحماس والالتزام لتحقيق بعض هذه الأهداف، ولا أنسي على المستوى الشخصي بعض التغطيات المميزة بغالبية هذه القنوات في بداياتها والتي عبرت عن قضايا إقليمها بشكل متميز ومنها على سبيل المثال لا الحصر التغطية الإعلامية المتميزة للقناة الثالثة لأحداث زلزال ١٩٩٢ ومتابعة آثار الزلزال على سكان القاهرة الكبرى".

وأوضح أن القنوات الإقليمية أنشئت كي تكون جسرًا للتواصل مع مشاهديها في بيئة محلية أو إقليمية ومنفذًا لهم للتعبير عن آرائهم ومعبرًا لعرض مشاكلهم وقضاياهم وآمالهم وطموحاتهم بالإضافة لتقديم المواهب المحلية في الأدب والفنون والغناء والتمثيل .. إلخ، هذه الفلسفة وهذه الأهداف تقتضي التركيز في وضع الخريطة البرامجية وكافة نوعيات البرامج في القناة علي أن تكون محلية أو إقليمية في مضمونها ومعالجاتها للموضوعات والقضايا المختلفة، قائلًا "لا نريد في هذه القنوات نشرات إخبارية عامة ولا نريد برامج إخبارية تناقش قضايا عامة بل نريد نشرات تعرض أخبار الإقليم والمجتمع المحلي وبرامج إخبارية تناقش قضايا الإقليم المختلفة، ولا نريد نوعيات البرامج التي تناقش مشاكل فئوية عامة للمرأة أو الطفل أو الشباب بل نريد نوعيات البرامج التي تناقش مشاكل هذه الفئات في المدن والقرى المختلفة في نطاق إرسالها".

وتابع المرسي، "لا نريد برامج منوعات أو فواصل غنائية تعرض أغاني لعبد الحليم أو شادية أو هاني شاكر أو غيرهم من مشاهير الغناء بل نريد أصواتا جديدة من مدن وقرى هذه الأقاليم ومواهب في التأليف والتلحين من هذه المدن والقرى وعرض لخصوصية فنية في هذه الأقاليم، ولا نريد أن نشاهد دراما لكبري شركات الإنتاج والتي تقوم بعرضها القنوات العامة أو المتخصصة بل نريد دراما محلية بموضوعات محلية تعبر عن البيئة المحلية بمواهب في التمثيل والتأليف وكتابة السيناريو والإخراج من المدن والقرى بهذه الأقاليم، باختصار نريد تعبيرا شديد الوضوح عن البيئة المحلية أو الإقليمية ولا نريد نسخا مكررة من القناة الأولى أو الثانية أو الفضائية المصرية".

ولفت المرسي، إلى أنه لتحقيق هذه الفلسفة والأهداف لابد من أن يدرك القائمون على مجال الإعلام وعلى هذه القنوات أهميتها وما يمكن أن تحدثه من تأثير في بيئتها وهو ما يقتضي وضع فلسفتها وأهدافها نصب أعينهم، أيضا لابد من توفير كافة الإمكانات المادية والتكنولوجية اللازمة لتحقيقها، قائلًا: "يجب أن نعي وندرك جميعا أن الإغراق في المحلية لهذه القنوات هو طوق النجاة لاستمرارها ونجاحها وتحقيق كثافة مشاهدة عالية بحيث يجد فيها المشاهد ما لا يجده في القنوات العامة أو المتخصصة، يجد شيئا مختلفا يعبر عنه وعن بيئته المحلية".

وأكد المرسي، أن قرار إيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية يقع بين حواجز شائكة بين رأيين يمثل كل منهما توجها مختلفا ينتج عنه الكثير مما يؤثر على مستقبل هذه القنوات، القرار صائب منطقيًا وعقليًا وفي الوقت ذاته غير صائب واقعيًا وعمليًا، قائلًا "القرار صائب منطقيا وعقليا بالنظر إلى الجمهور المستهدف للقنوات الإقليمية وهو جمهور محدد جغرافيا بإقليم معين وبالتالي فحدود بث هذه القنوات يجب أن تصل مباشرة إلى جمهورها المستهدف في هذه المنطقة المحددة وبالتالي ليست هناك ضرورة لبث فضائي يصل بالقناة إلى مساحات شاسعة وإلى كل مواطن عربي في هذه المساحة لأن مثل هذا البث ومثل هذا الجمهور قد يكون بثا وجمهورًا مستهدفًا لقنوات أخرى مختلفة في أهدافها وفلسفة إنشائها مثل الفضائية المصرية وقناة مصر الأولى".

وأشار المرسي، إلى أن الانفاق على بث القنوات الإقليمية فضائيًا يعد إهدارا للمال العام يصل بهذه القنوات إلى جمهور عام واسع قد يكون غير مهتم بما تبثه هذه القنوات وفقا لأهدافها وجمهورها المستهدف المحدد جغرافيا، وينطبق هذا المنطق أيضًا على الإعلان، لافتًا إلى أن المعلن الذى يستهدف جمهورًا محددًا في إقليم معين أو منطقة محددة يتجه إلى استخدام وسيلة محلية أو إقليمية تصل مباشرة إلى هذا الجمهور ولا يتجه إلى قنوات عامة تستهدف فئات أخرى لاتحقق الهدف من الإعلان.

وقال أستاذ الإعلام، "المنطق أيضًا في صواب هذا القرار هو توفير نفقات بث فضائي لا يحقق أهداف هذه القنوات لإنفاقها في التطوير خاصة مع وجود أزمات مالية مستمرة تواجه منظومة إعلام الدولة والقنوات الإقليمية تحديدًا، كما أنه في إطار التطوير التكنولوجي يمكن اللجوء لوسائل الإعلام الجديد وهي وسائل تقريبا صفرية التكلفة مثل البث عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق المزيد من كثافة المشاهدة".

وتابع المرسي، قائلًا "القرار غير صائب واقعيًا وعمليًا لأسباب عديدة من أهمها أن عصر استخدام "الإريال" لالتقاط البث الأرضي قد انتهى تقريبًا، بالإضافة إلى الصعوبات الهندسية لهذا البث وهو ما يعني عمليًا حكمًا بالإعدام على هذه القنوات والعاملين فيها لعدم القدرة على التقاط ارسالها في هذه المحددة جغرافيا كجمهور مستهدف ولعدم الرغبة في استخدام تكنولوجيا أصبحت ماضيًا، وأيضا فإن البث الفضائي يمثل ضمانا لسهولة وصول الإرسال إلى الجمهور المستهدف داخل وخارج الدولة وأيضا إلى جمهور غير مستهدف قد يدفعه الفضول أو الرغبة في التعرف على ما يحدث ويدور في مثل هذه المناطق الإقليمية، وأيضا هناك رغبة في زيادة جماهيرية هذه القنوات الإقليمية إدراكًا لأهميتها وتأثيرها".

وأكد المرسي، أن هذا القرار يأتي في وقت غير مناسب يزداد فيه الجدل والحديث عن الرغبة في سحب البساط من إعلام الدولة والتوجه إلى إعلام بديل أكثر تطورا بل يصل الحديث إلى عدم جدوى هذا الإعلام انتظارا لإطلاق رصاصة الرحمة عليه وهو ما يزيد من حالة "شبه" الإحباط كما يمثل ضغطًا نفسيًا شديدًا على العاملين في منظومة إعلام الدولة بشكل عام وعلى العاملين في القنوات الإقليمية بشكل خاص.

وأوضح المرسي، أن الحل الأفضل لاستمرار القنوات الإقليمية بشكل فاعل، هو الالتزام بفلسفة وأهداف إنشائها وتطوير شكل ومضمون ما يتم تقديمه في إطار هذه الفلسفة والأهداف وهو ما يضمن مشاهدة فعلية لهذه القنوات بأي وسيلة كانت سواء بث فضائي أو أرضي رغم صعوباته أو من خلال اليوتيوب ومواقع التواصل الإجتماعي، وأيضا إن كانت هناك إمكانية للبحث عن مصادر تمويل لهذه القنوات -من خلال رعاية من مؤسسات وشركات- لبثها فضائيا لتوسيع نطاق مشاهدتها بسهولة ويسر لمشاهدها المستهدف وغير المستهدف، قائلًا "فهذا حل قد يكون مناسبًا ولو كانت هناك رغبة في استمرارها وتطويرها كإعلام خدمي فلابد من توفير كافة الإمكانات لها لتطوير أدائها لزيادة فاعليتها وتأثيرها".